الإخراج الفني في النص القرآني في النص المتجدد بين ضفتي القرآن.. بقلم/ مجدي سالم
الإخراج الفني في النص القرآني
في النص المتجدد بين ضفتي القرآن.. بقلم/ مجدي سالم
أولا.. في تحديث الآداب.. وإنتاج الفنون المسموعة والمرئية..
ظلت ومازالت العلاقة وطيدة بين الآداب والفنون.. حتى أن أحد أشهر الدوريات التي كانت تصدر في خمسينات القرن الماضي كانت تسمى “الأدب والفن”.. وكانت تطبع في أبهى حلة وعلى أجمل ورق.. وكان محرروها من أشهر كتاب هذه الحقبة من الزمان..
وكانت البداية منذ إختراع جهاز الراديو ونشأة الإذاعة.. وتعلم الإنسان أن يقرأ النصوص المختلفة سواء السياسية والأدبية أو الدينية وغيرها على المستمع.. وسارع الأدباء إلى إعادة كتابة الأساطير والقصص العالمية القديمة والحديثة.. وتعلم الإنسان أن يقدم هذه النصوص المتواضعة ممثلة بالصوت فقط إلى المستمع.. وهو فن مازال قائما حتى يومنا هذا.. وإن قل الإقبال عليه مع التقدم المذهل لأدوات الميديا المسموعة والمرئية.. والتي تطورت إلى حد نقل الأحداث العالمية على الهواء مباشرة بالصوت والصورة وبالأبعاد الثلاثية أحيانا..
ولقد قدمت فنون للأدب الأعمال الفنية المختلفة.. وأقصد هنا السينما والمسرح العالمي.. شتى أنواع وأصناف النصوص.. والتي كانت أساسا بنى عليه المخرجون أعمالهم.. يأخذ هذا رواية عالمية طويلة فيسندها إلى كاتب معاصر فيعيد ذلك الكاتب صياغة النص في شكل لقطات مختلفة كي يصلح للسينما.. ويعيد ثالث رواية الأحداث والمواقف على لسان المتحاورين كي تصل القصة إلى المشاهد من خلال الحوار الذي أعاد صياغته.. لنفس الغرض..
أو ما قد يسمى أحيانا بالرؤية الجديدة أو المعاصرة للنص القديم.. حتى أن بعض الأعمال العالمية قد أعيد إنتاجها لأكثر من مرة.. برؤية فنية مختلفة مثل “يوليوس قيصر” أو “قصة مدينتين” أو”أحدب نوتردام” أو “الجميلة والوحش” وغيرهم كثير.. ..
وبذلك وصلت الأعمال العالمية القديمة مثل الإلياذة والأوديسا.. ثم وصلت من بعدها الروايات التي كتبها أمثال وليم شكسبير وتشارلز ديكنز وسومرست موم وأجاثا كريستي من الأدباء الغربيين أو طه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم والمازني من الأدباء العرب.. وغيرهم.. إلى الإنسان العادي في شكل تمثيليات ومسرحيات أو أعمال سينمائية.. بعد أن أعاد صياغتها آخرون.. فتجد أسماء بارزة ضمن جهاز العمل تحمل ألقابا مثل: كتبها للسينما فلان.. أو: قصة وسيناريو وحوار فلان.. وهي أسماء تختلف بالطبع عن إسم مؤلف الرواية الأصلي.. الذي ربما جاء ذكره في موضع متواضع بين هؤلاء المحدثين..
قدم الإنسان على خشبة المسرح – منذ نشأة هذا الفن – العديد من الأعمال المستمدة من الأساطير الإغريقية والرومانية.. ومن الكتب السماوية.. وظل يحلم بإن يقدم تلك القصص التي وردت في الكتب السماوية على شاشة السينما منذ مطلع القرن العشرين.. ولهذا الغرض أعاد الأدب كتابة هذه القصص وتم بالفعل إنتاجها ولاقت نجاحا باهرا..
حتى أن السينما العربية والعالمية قد أنتجت أعمالا مستمدة من القصص القرآني.. أو من كتب السيرة النبوية والحديث.. ومن كتب التراجم التي حكت عن الصحابة والتابعين..
وإن ظلت اللقطات التي تعرض المعجزات السماوية في غاية السذاجة والتواضع..
وقد يعاد (تفصيل) بعض المواقف واللقطات وحتى الحوار كي يتلائم وشخصيات الأبطال أو الممثلين.. وأحيانا والشخصيات المساندة المختارة.. أو بناء على الآليات المتاحة.. وربما كي يتناسب مع الميزانية المالية المرصودة لإخراج العمل.!
ومن الطريف أن معظم النقاد يجدون أهدافا سهلة للهجوم على العمل في الثغرات الهائلة.. بين النص الأصلي وبين النص المعاد إعداده.. ويصبون غضبهم على الحوار الممل أو الألفاظ المستهلكة.. إلى آخره.. والتي أفسدت روح العمل القديم الأصلي.. وقد حدث هذا تقريبا لكل الأعمال الفنية التي قامت على تحديث النصوص العالمية القديمة.. ومثال ذلك فيلم الرسوم المتحركة الهائل الضخم “أمير مصر” وقد ادعى المنتج أنه يتبع نصا توراتيا.. بينما قام في الحقيقة باستخدام نص مؤلف.. يدعي لموسى ولفرعون حياة غير تلك الحقيقية التي نعرفها..
ويلحظ القاريء تحريف النصوص وتغيير القصص التوراتي والإنجيلي تحت إسم التحديث حتى أن ليو تولستوي الروسي قد فضل أن يكتب إنجيلا خاصا به.. سماه “إنجيل تولستوي” كما قام بجمع وطبع بعض الأحاديث النبوية وسماها “حكم ونصائح محمد”..
لكن ما يهم مخرجوا وقبلهم منتجوا هذه الأعمال بالطبع هو ما يجنيه (الشباك).. ثم يليه ما وصل من رسالة إلى المشاهد.. كما تقدم في سلسلة مقالاتنا من قبل..
ثانيا.. في إخراج القصص القرآني الكريم..
إن النص والقصص القرآني ثابت ومحفوظ بعناية الله.. تقول الآيات من سورة الحجر..”إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10)”
ومن الممتع بحق إنك لا تحتاج إلى التمثيلية المسموعة عبر الميكروفون أو إلى الفيلم أو الفيديو على الشاشة المرئية بين يدي الأحداث والقصص والمواقف في القرآن الكريم..
فأول ما يمتلك القاريء للقرآن هو ذلك السرد المعجز لقصة حقيقية قد حدثت بالفعل.. ربما ورد بعض منها في الكتب السماوية القديمة.. أو في الكتاب المقدس الحديث..
لكن الدارس لقصص القرآن الكريم يجد النص المتجدد والحوار المعجز في النص.. يجده ثابتا بنفس الوقع والتأثير مهما مر الزمن.. ومهما تعددت مرات الذهاب إليه..
ومن المعجز حقا أنه يجد النص المكتوب على شكل فواصل قصيرة جدا كما لو أنها أنتجت أوكتبت كي تظل مفهومة ومتكاملة ومتجددة.. سواء جاء النص في نفس السورة.. أو جاء في مواضع وسور عديدة من القرآن.. وسنأخذ قصة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام كمثال للدراسة..
نستكمل حديثنا في الحلقة القادمة إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.