الإخراج الفني في النص القرآني..في النص المتجدد.. “حياة موسى” على شاشة القرآن.. ( 1 ).. بقلم/ مجدي سالم
الإخراج الفني في النص القرآني..
في النص المتجدد.. “حياة موسى” على شاشة القرآن.. ( 1 ).. بقلم/ مجدي سالم
نحن نسعى إلى الدعوة.. وليس إلى إعادة قص ” الحدوتة “..
يحب ألا ننسى أبدا أن القرآن كتاب للدعوة إلى الله.. إلى توحيد الله وعبادته.. وإلى الإستقامة على الأرض والإحسان في المعاملات.. ثم دعوة إلى التكافل بالصدقات وبأداء الزكاة.. فالقرآن كتاب دعوة إلى جنة الله.. دعوة إلى الخوف من ناره.. وأن القصة فيه ليست لغرض التسلية ولا التسرية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أو عنا.. لكن ذلك جاء بما يتناسب مع قدرة الله.. رب السماوات والأرض.. جاء القرآن معجزا ليحقق هذا.. ولذا فإن إخراج عمل متكامل في القرآن العظيم هو آية منه سبحانه تدعو إلى الإيمان به.. والتصديق بدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم.. وسنرى كيف جاء إخراج قصة موسى على شاشة القرآن شاهدا على ذلك..
ذكر سيدنا “موسى” عليه الصلاة والسلام بإسمه في القرآن في مائة وواحد وثلاثين آية.. حتى أنك تجد جديدا عن حياته ومعاناته مع فرعون – ومع بني إسرائيل – في معظم سور القرآن..
وقصة حياته هي أحد عجائب الحياة من جهة.. وإحدى عجائب القرآن من جهة أخرى.. تنقلها كاميرات الباريء المصور.. وتسجل الحوار في أحداثها سطور من تنزيل رب العالمين.. فموسى هو أحد أولي العزم من الرسل.. وأرسله الله إلى فرعون ذي الأوتاد في مصر وإلى ملأه.. وتفهم الغرض من رواية قصته لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات:
من سورة طه.. ” كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99)”..
من سورة طه.. ” فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)”..
وقد ذكر القرآن الكريم ماكان من استعباد واضطهاد فرعون وملأه لبني إسرائيل في مصر.. بعد أن كانوا معززين ومكرمين في عهد نبي الله يوسف.. فكان فرعون يستحيي نسائهم ويقتل أبنائهم.. ثم يأتي على قصة موسى بدءا من مولده.. وانتقاله ليعيش رضيعا في كنف فرعون لكن ترضعه أمه.. ثم خروجه شابا إلى المدينة حيث يقتل مصريا خطأ.. فيخرج إلى مدين حيث يعيش قرابة عشر سنوات ويتزوج أثناءها.. ويكلفه ربه بالدعوة – في طريق عودته – وأن يواجه فرعون بآيات الله وأن يطالب بالحرية لبني إسرائيل.. ويخرج موسى بهم طاعة لأمر ربه فيتبعه فرعون وجنوده.. لكن البحر ينطبق عليهم بعد أن عبره موسى ببني إسرائيل.. لكن حياة موسى في سيناء كانت مليئة بالمعاناة مع قومه حتى يختاره ربه إلى جواره على أبواب الأرض المقدسة بعد أن حكم الله بالتيه في الصحراء على بني إسرائيل لأربعين سنة..
وتحتار في البداية وأنت تدرس وتكتب عجائب الإخراج فيما أسميه “حياة موسى”..
فالقرآن الكريم يبدأ القصة من موقع مقدس في سيناء.. ويبدأ بواقعة من أكثر الوقائع إيلاما.. يبدأ من قمة العمل الدرامي ومن إحدى لحظات “موقف فارق” في الحدث..
لقد رسب بنو إسرائيل في ثاني اختبار لصبرهم ولإيمانهم وهم في سيناء من بعد أن أنجاهم الله من فرعون وملأه.. إن الله قد واعد موسى للقائه.. فما أن غاب حتى اتخذ بنو إسرائيل من العجل إلها.. ولم يعرف القاريء بعد ما هو العجل..
البقرة – الآيات.. ” وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ.(51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)”..
حكم الله عليهم بإنهم ظالمون.. ويترك الله لفطنة القاريء مؤقتا ما دار بينهم وبين موسى.. وما كان من توبتهم.. لكن الله هنا يروي أنه تاب عليهم وعفا عنهم.. ولقد عاد موسى من ميقات ربه يحمل معه كتابا سماويا.. سماه الله الفرقان.. كل كتب الله تفرق بين الحق والباطل.. كل كتب الله جاءت لهداية البشرية.. جاء موسى بشروط حتى يتقبل الله توبتهم من ذنب عظيم اقترفوه.. اقرأ:
البقرة – الآية 53 “وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”.. .. إن الأمر هنا من طرف موسى.. دون رد..
وكم تاب الله على بني إسرائيل وكم عفا عنهم وغفر لهم.. لعلهم يشكرون فيؤدوا حق نعمة الله عليهم.. إن سورة البقرة تعود لتكمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. ثم للقاريء والدارس:
البقرة – الآية 92 ” وَلَقَدْ جَاءَكُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(93)”..
وانظر كيف تتكامل المواقف بالصوت والصورة.. إن المخرج العظيم يذكر بما كان منهم.. إنهم ما يكادون أن يخرجوا من إثم عظيم حتى يشفع لهم نبي الله موسى.. فإذا بهم يقترفون إثما جديدا.. ربما كان أكبر من الأول.. إنهم يطلبون من موسى أمرا جللا لا يقل عن إدعاء العجل:
البقرة – الآية 55 ” وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ”..
إن سورة النساء تذكرالنبي صلى الله عليه وسلم.. حين طلبوا منه أن يأتيهم بمعجزة تهبط عليهم من السماء.. بما كان منهم مع نبي الله موسى.. من سورة النساء – الآية 153.. هاكم الحوار:
” يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ..
فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً..
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُّبِينًا”..
ولو أن القاريء بدأ القصة من سور الأعراف والنساء لحكت له الآيات عن كل ما كان منهم.. لكنه يعرف من كل آية إضافة جديدة تكمل تجسيد العمل على شاشة القرآن.. ومن ذلك أن الله قد أرسل عليهم صاعقة أبادتهم عن بكرة أبيهم حين طلبوا أن يروا الله جهرة.. هكذا تنير كاميرات جديدة جزءا جديدا في القصة.. ولو أنه استمر مع سورة البقرة لرأى الصاعقة من كاميرا مختلفة ورأى فيها إضا ة لم تأت بها الآيات الأخرى.. هكذا هو الإخراج الفني في القرآن.. فماذا كان من أمر العجل.. وماذا كان من أمر الصاعقة.؟ أين البداية.؟
إن علينا أن نستعين ببقية كاميرات القرآن ونوره.. نكمل في الحلقة القادمة إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.