الإســـــــــراء والمعــــــراج بين الحقيقة والافتراء…بقلم حاتم السيد مصيلحي
تطل علينا هذه الأيام بنسيمها العليل ذكرى عطرة بصاحبها.. وأحداث نضرة بدروسها وعبرها.. ألا وهي ذكرى الإسراء والمعراج، ذلك الحدث الذي كشف عن قلوب المنافقين، وزلزل المتكبرين، وأعلى شأن المؤمنين الصالحين، ورسم حدود الإسلام التي بني عليها دولة ” خير أمة أخرجت للناس “. وإذا أردنا الحديث عن هذه الذكرى، فلابد من المرور ولو سريعا على محطات ثلاث؛ كي نتعرف على الدروس المستفادة من هذه الرحلة الربانية التي دعي إليها سيد الخلق سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم. المحطة الأولى: الظروف والأحداث التي سبقت الرحلة: حيث تعرض الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمحن عديدة منها: وفاة زوجه أم المؤمنين خديجة، التي كانت تسانده بمالها، ونفوذها وإيمانها الشديد بدعوته، فكانت رضي الله عنها خير معين على مواصلة الجد والجهاد في سبيل الله، ففقد بذلك ركنا ركينا كان يأوي إليه وقت الشدائد ، فيجد فيه الراحة والأمان.. كما فقد في نفس العام عمه” أبو طالب ” الذي كان له السند والحماية من بطش الكافرين المتجبرين، ومن ثم فقد بفقدهما الركن الذي كان يأويه، والحصن الذي كان يحميه. ثم كانت رحلته إلى الطائف كي يجد فيهم من يبايعة ويؤازره، فما كان منهم إلا أن سلطوا عليه سفهاءهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى انتعل الدم، فآوى إلى حائط، وأخذ يدعو عنده الله تعالى ويشكو إليه ضعف قوته، وقلة حيلته، وهوانه على الناس، فكانت إرهاصا للرحلة المباركة كي يقر الله بها عينه صلى الله عليه وسلم. ثم كانت المحطة الثانية: والتي رواها لنا القرآن الكريم في مستهل سورة الإسراء في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} والمتأمل للآيات يجد أن ثمة شيئا خارقا للعادة، فحينما يحدث فيما بيننا حدث غريب، فأول ما ينطق به اللسان “سبحان الله” ومن ثم كانت بداية الآية بـ ( سبحان) فيها شئ من التنبيه والإعجاز، ثم ورد لفظ ( عبد) والمقصود به الرسول ـ صلى اللّه عليه وسلّم ـ ولم يرد لفظ نبي أو رسول، لكون العبد يجتمع فيه الروح والجسد معا، وبذلك يبطل زعم القائلين بأن الرحلة كانت بالروح فقط دون الجسد. ولا أدري لماذا يتعجب المتعجبون من هذا الأمر الجلل، وهو على الله هين، فهب أنني قلت أو ادعيت بأني رأيت في منامي أنني أصلي في بيت المقدس وتقابلت مع أحبائي وأصدقائي، وصلينا فيه جماعة، وكنت إماما لهم، ثم عرج بي إلى السماء فشاهدت من العجائب مالم يشاهده أحد… الخ أيكذبني أحد في رؤياي؟ بل إن الجميع سيصدقني، وبعضهم سيبحث عن تفسير لرؤياي، والبعض يستبشر خيرا ويبشرني بخير قادم..يسري عني، ويرفع درجتي. ولكن مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المؤيد بوحي السماء، الأمر يختلف، وعليه يديه تجرى المعجزات،وقد يندهش البعض قائلا: كيف أسري بالرسول كل هذه المسافة الكبيرة؟ورد هذا القول بقول مثله: وكيف تقطع الطائرة التي من صنع البشر المسافة بين مصر وأمريكا أو غيرها من بلاد العالم في ساعات معدودة، وقد كان المسافر بين مصر والشام في العصور السابقة يضرب لها أكباد الإبل شهورا ذهابا وإيابا، وهذا مالا نتعجب منه الآن، بل أصبح حقيقة ظاهرة للعيان.وربما يسأل آخرون،وكيف عرج به إلى السماء السابعة؟ نقول: إن الأمر قد اتضح بعد أن استطاع رواد الفضاء من بني جنسنا أن يصعدوا بسفنهم الفضائية إلى سطح القمر ورصدهم للكواكب والمجرات فبات الأمر لا عجب فيه.ومن ثم يتضح لنا أن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد معا.والمحطة الأخيرة: هي ماترتب على هذه الرحلة المعجزة، لبيان حدود المنهج الإسلامي، وفرض التكاليف العملية للدين الجديد، وتسليم لواء الدعوة إلى الله من الأنبياء السابقين إلى خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، كما أنها كشفت زيف المنافقين، وكانت نقطة الانطلاق لبناء الدولة الإسلامية بمعناها ومضمونها. بقلم: حاتم السيد مصيلحي
التعليقات مغلقة.