الإسلام دين معاملة وإحسان اعداد : محمـــد الدكـــروري
هو خلق عظيم من الأخلاقيات الإسلامية وهو من أعظم أسباب المحبة والألفة بين المسلمين إنه خلق جبر الخواطر، فالعديد منا معرض يوميا للإصابة بالكرب والهم، فيحتاج إلى من يجبر كسره وخاطره، ويرفع آلام الكرب من صدره فجبر الخواطر يهون على الشخص المصاب ما أهمه، ويرفع همته، ويقيل عثرته، ويأخذ باليد حتى يقف مرة أخرى على قدميه، فإن جبر الخواطر وتطييب النفوس خلق كريم وصفة من صفات المؤمنين الأتقياء، وهو عبادة جليلة وسهلة وميسورة، أمر بها الدين، وتخلق بها سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وإن من أسماء الله الحسنى وصفاته العُلى الجبار، وإن جبر الخواطر ومراعاة المشاعر، لا سيما من الأمور التي يأمر بها الدين الإسلامي، فهي عبادة تقرب الإنسان من ربه.
وتحديدا هذا الشخص الذي يحمل القلب الرحيم يكون محبوب بين الخلق لأنه رؤوف بهم ويحب لهم الخير، ولا يحمل بداخله غل لأصحابه أو لإنسان، ويتجاوز عن أخطائهم ويلتمس لهم الأعذار، وإن دين الإسلام الحنيف، هو دين تكافل وتراحم، وهو دين تعاطف وشفقة، وهو دين معاملة وإحسان، وقد عمل على ذلك أولو العزائم، من السلف الكريم، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدانت لهم الدنيا، وتحطمت تحت أقدامهم تيجان الجبابرة من أقاصرة وأكاسرة، وملكوا أزمة الأمور، فكانت الشدة منهم على الكافرين، وكانت الرحمة والشفقة بينهم، مثلا للعادلين والمتأسّين، وإن الدين الإسلامى في مجموعه هو وحدة متماسكة الأطراف، محكمة العُرى، تؤلف بين جملة من الحقوق.
وإن الأخذ بها في مجموعها أمر لا مندوحة عنه، فتوحيد الله عز وجل، بأسمائه وصفاته وأفعاله، وتأليهه، وإفراده بكامل العبودية والتقديس، كل ذلك جزء من عقيدة المسلم، وفي طليعة ما يجب أن يعنى به، وإن الحياة الدنيا هى القنطرة للدار الآخرة، وهى الوسيلة للغاية النبيلة، فإن الحياة فانية وعمر الإنسان مهما طال فهو قصير، ولقد كانت الآداب والقيم، هما السمة البارزة في سيرة الرعيل الأول من سلف هذه الأمة، فقد أولوها اهتمامهم قولا وعملا وسلوكا وتصرفا، بل كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يهذب الجيل إذا ما وقعوا فيما يناقض الذوق والأدب، ويقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما “كان الناس يتعلمون الأدب قبل العلم” وقال عبد الله بن المبارك “نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم”
فكان هذا دأبهم وديدنهم، لذا حازوا الأدب العالى والذوق الرفيع والعلم الوفير، فكانوا أحسن الناس أخلاقا، وأرفعهم أذواقا، وأكثرهم ندى، وأبعدهم عن الأذى، ولقد جاء الإسلام رسالة إنسانية عالمية لكل الناس، وليس للعرب وحدهم، ومع أنهم طليعة الدعوة، بل هم فيه سواء مع كل الناس، وقد تحدد مكانتهم بالتقوى، وما يبذلونه في سبيل هذا الدين الذي شرّفهم الله تعالى به، ولقد عُني الإسلام بالأخلاق منذ بزوغ فجره وإشراقة شمسه، فالقرآن الكريم في عهديه المكي والمدني على السواء اعتنى اعتناء كامل بجانب الأخلاق، مما جعلها تتبوأ مكانة رفيعة بين تعاليمه وتشريعاته، حتى إن المتأمل في القرآن الكريم يستطيع وصفه بأنه كتاب خلق عظيم، وأن الأخلاق جزء وثيق من الإيمان والاعتقاد.
فإتمام الأخلاق وصلاحها من أهم مقاصد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ” لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر, فقال له “يا أبا ذر، ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر, وأثقل في الميزان من غيرها؟ قال، بلى يا رسول الله, فقال صلى الله عليه وسلم “عليك بحسن الخلق, وطول الصمت، فو الذي نفسي بيده، ما تجمل الخلائق بمثلهما” رواه الطبراني، ولقد كانت الأخلاق في حياة المسلمين سببا رئيسا لعزتهم وقوتهم ومنعتهم وسعادتهم، فعاشوا فيما بينهم حياة يسودها الحب والتعاون والاحترام المتبادل، فأسسوا حضارة بهرت العالم، وذلك لأن أي حضارة لا تقوم إلا على دعامتين أساسيتين، وهما علمية وأخلاقية.
وأما العلمية فهى تنتج التطور والازدهار والرقي السياسي والاقتصادي والعلمي والاجتماعي، وأما الأخلاقية ينتج عنها الأمانة والإخلاص والإتقان والشعور بالمسؤولية وتقديم النفع وحب الخير، فإذا ما ذهبت هاتان الدعامتان أو إحداهما انهارت الحضارات وتفككت المجتمعات وحلّ البلاء بأهلها.
المصدر الشيخ عبد الرحمن السديس والشيخ حامد ابراهيم
التعليقات مغلقة.