الإنسان: مكونات ومكنونات بقلم الأستاذ / أحمد فؤاد الهادي
متابعة لما أوردناه في مقالنا السابق “من الميلاد إلى الميعاد” عن كنه وجود الإنسان في هذا الكون وتفاعله معه طوال مسيرته التي ذكرناها، فإننا هنا نحاول فهم هذا المخلوق نفسه وتفكيكه وتصنيف محتواه لعلنا ندرك سر ما يبدر منه من تصرفات وردود أفعال ومشاعر وأحاسيس، وكيف وأين ينشأ كل منها، وكيف تتطور حتى تأخذ مكانها في الوجود، فيستحسن منها ما يستحسن، ويستهجن منها ما يستهجن.
وبالفكر الهندسي، وجدتني متجها صوب تفكيك هذا الكائن لمحاولة تصنيف محتوياته، لعلنا نصل إلى دور كل من تلك المحتويات فيما نتساءل عنه.
وأري أن الإنسان مركب من شقين لا يشملان كل ما وراء أدائه فحسب، بل والطريقة التي يحيا عليها:
..
1- مكونات: وهي كل ما يشغل حيزا في الوجود وله أبعاد وشكل منظور ووزن محسوس، أي أنه مكون من مادة أو من عدة مواد مختلطة بطريقة ما، وهذا ما ينطبق على أجزاء الجسم الظاهرة وأعضائه الباطنة.
والمكونات -كأصناف وأسماء- واحدة في كل البشر، ولكنها متفردة في صفاتها بالنسبة لكل إنسان، ولكل مكون منها بصمته التي لا تتكرر أبدا.
ومن هذا المفهوم، يمكننا القول بأن المكونات هي الجسد بظاهره وباطنه، وهو ما يخلقه الله سبحانه وتعالى في رحم الأم في مرحلة معينة من مراحل الحمل، فيكون جسدا تاما مهيأ لاستقبال الروح، فإذا ما بعث الله فيه الروح بدأت جميع مكوناته في ممارسة وظائفها، فينبض القلب، ويسري الدم في العروق، وتتأهل جميع الأجهزة لممارسة الحياة.
ولا أحد يملك تعريفا، أو وصفا لتلك الروح، أو تبريرا، أو تفسيرا، أو حصرا لأدائها، فعلمها عند ربي فحسب.
والإنسان متاح له التحكم في أجزائه الظاهرة في الحدود التي تسمح له بممارسة حياته، فيسير ويجري ويبطش ويقبض ويغمض ويتكلم ويأكل، ولكن إذا تجاوز حدود المسموح به في استخدامه لأي من تلك الأعضاء، فإن ضررا سيصيب هذا لعضو يتناسب مع قدر المخالفة التي ارتكبت.
أما المكونات الباطنة، فلا سيطرة للإنسان عليها، فهي تؤدي وظائفها طوال الحياة بلا توقف طبقا لنظام محكم لا يعلمه إلا من خلقها وبث فيها الحياة.
وها هي الروح قد سكنت الجسد، ودبت فيه الحياة، ولكن الأمر لم ينته بعد.
..
2 – المكنونات: تأتي النفس لتسكن الروح ساكنة الجسد، حاملة الطباع المختلفة والميول المتباينة، أي أنها تحمل ما تكون محصلته شخصية الإنسان التي يتصف بها في تعاملاته مع نفسه ومع الآخرين خلال مشوار حياته.
وكل البشر لديهم جميع الطباع والميول، ويميز بينهم القدر الذي اختصوا به من كل منها، فتتغلب تلك وتتوارى الأخرى، والأنفس أيضا متفردة لكل إنسان، بصمة نفسية قد تتشابه، ولكن أبدا لا تتكرر.
وكل إنسان على علم تام بما تعج به سلة مكنوناته، فيحاول دائما ألا يظهر منها ما يعرف ويعرق الآخرون أنه حسن محمود، بل أنه أحيانا يتصنع صفة قد تكون ضئيلة في سلته حتى تبدو ظاهرة مزورة، فالكل يحاول أن يكون أمام الآخرين مثاليا وكاملا.
و قد يكون للحديث بقية.
التعليقات مغلقة.