الاجتهاد النحوي ورفض التقليد بقلم د. هانم محمد عبد السميع
إذ نظرنا إلى تاريخ العلماء فإننا نجد كل واحد منهم يسدد الآخر ويصوبه ويرد خطأه، فما من عالم كتب مصنفًا إلا وتُعقب على كلامه واستدرك عليه، وكما قيل: «من قرض شعرًا أو وضع كتابًا فقد استهدف للخصوم واستشرف للألسن، إلا عند من نظر فيه بعين العدل، وحكم بغير الهوى، وقليل ما هم» .
يقول أبو عمرو المازني (تـ 249هـ):«وإذا قال العالم قولا متقدمًا فللمتعلم الاقتداء به والانتصار له والاحتجاج لخلافه إن وجد إلى ذلك سبيلا».
ويشير إلى ذلك أيضًا الشيخ محمد الخضر حسين بأنه لا يكبر على أحد من المجتهدين أن يناظر أستاذه، أو من كان أوفر منه علمًا، وأوسع نظرًا،فيقارع حجته بالحجة .حتى إذا لم
تمتلئ نفسه بالثقة من أدلته، اجتهد لنفسه، وأقام بجانب مذهبه مذهبًا .ولا يركن إلى الدعة والراحة مرددًا: ما ترك الأول للآخر شيئًا، فليس هناك كلمة أضرُّ على العلم والعلماء، ولا أضر بالخاصة والعامة من هذه المقولة، ولو استعمل الناس معنى هذا الكلام فتركوا جميع التكلف، ولم يتعاطوا إلا مقدار ما كان فى أيديهم لفقدوا علمًا جمًا ومرافق لا تُحصى، ولكن أبى الله إلا أن يُقسم نعمه بين جميع عباده قسمة عدل، يُعطى كل قرن وكل أمة حصتها ونصيبها، على تمام مراشد الدين وكمال مصالح الدنيا . وليس معنى النظر فيما قدمه الأقدمون الغض من شأنهم، واتهامهم بالنقص والقصور، وفى هذا يقول ابن قتيبة( 276هـ):«وقد يتعثر فى الرأى جُلَّة أهل النظر والعلماء المبرزون والخائفون لله الخاشعون، فهؤلاء صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم- وهم قادة الأنام ومعادن العلم وينابيع الحكمة وأولى البشر بكل فضيلة وأقربهم من التوفيق والعصمة – ليس منهم أحد قال برأيه فى الفقه إلا وفى قوله ما يأخذ به قوم، وفيه مايرغب عنه آخرون».
يقول ابن مالك(تـ 672هـ)، فى مقدمة كتابه: ( تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد):«وإذا كانت العلوم منحًا إلهية ومواهب اختصاصية فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتاخرين ماعُسر على كثيرٍ من المتقدمين أعاذنا اللهُ مِنْ حَسَدٍ يسدّ باب الانصاف ويَصُد عن جميل الأوصاف».()
وليس معنى أن الله أدخر لبعض المتأخرين ما عُسر على كثير من المتقدمين، أن يعمدوا إلى ما قدمه الأقدمون فيهدموه، وإلى ذلك يشير ابن عاشور ( 1393هـ): «ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين: رجل معتكف فيما أشاده الأقدمون، وآخر آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون، وفي كلتا الحالتين ضرر كثير، وهنا لك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير، وهي أن نعمد إلى ما شاده الأقدمون فنهذبه ونزيده، وحاشا أن ننقضه أو نبيده، علما بأن غمض فضلهم كفران للنعمة، وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمة».
وكان من ثمار هذا الاجتهاد فتح باب الاستدراكات والتعقبات التى أدت لوضع كثير من المؤلفات التى استدرك فيها اللاحق على السابق ومنها:
الاستدراك لما أغفله الخليل لابن المراغي(ت 371هـ). () .
استدراك الغلط الواقع فى كتاب العين لأبى بكر الزبيدي (ت379هـ).
الاستدراك الباقولي (ت 543هـ) على أبى على فى الحجة .
استدراكات ابن الخشاب(ت 567هـ) على مقامات الحريري (ت 446هـ).
التعليقات مغلقة.