الاحتفاظ بالتقاليد القومية
بقلم.. محمـــد الدكــــروري
علموا أولادكم أن يوقروا الكبير ويرحموا الصغير، وعلموهم الوفاء بالكيل والموازين، وإعطاء كل ذي حق حقه، والبعد عن الغش والتدليس والأيمان الكاذبة، وعلموهم أن الضعيف هو من اشغل نفسه بعيوب الناس عن عيوب النفس، علموهم أن التسامح ليس ضعفا ولا هوانا، بل هو قوة وشهامة وعزة، ربوهم على الاعتذار عن الأخطاء، والتماس الأعذار، وعلموهم أن الاعتذار شجاعة، والتماس الأعذار مروءة، وعلموهم ثقافة الاختلاف في الرأي، وأن ما يقوله صواب يقبل الخطأ، وما يقوله صاحبه خطأ يقبل الصواب، وعلموهم حينما يرون مرضى أو يمرون بمستشفى أن يدعو الله بشفاء كل مريض، ورفع البلاء عن كل مبتلًى، وليواسوهم.
فهذا من مكارم الأخلاق، كما أنه من أفضل العبادات، وربّوهم على طلاقة الوجه، والأمر بالمعروف، والعفو والجود، والصبر والرحمة والتودد ولين الجانب واحتمال الأذى، وإغاثة الملهوف، وإطعام الجائع، وكسوة العاري، والإنصاف، وقلة الخلاف ولطف الكلام، وربّوهم على احترام القريب والغريب، والأدب مع الصغير والكبير، والمشاركة في الأحزان والأفراح، وربوهم على حفظ الوقت، وإتقان العمل، والحياء والعفة والاستقامة والفضيلة والحجاب، أعمال غير مكلفة، ولكنها أغلى من الذهب، أعمال يسيرة، ولكنها في الميزان ثقيلة، وعلموهم أن المرء يبلغ بحُسن خلقه درجة الصائم القائم، كما صح في ذلك الحديث عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ولقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المراعاة في الاحتفاظ بالتقاليد القومية، والعادات المرعيّة، وعدم الخروج عليها، ومن تلك العادات التي كانت للعرب حال حياته صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا ما تبيّن أن أمره بشيء من ذلك إنما صدر للحافظ على خلق أو مروءة، أو لتجنب ضرر أو فساد، فإنه يكون حينئذ شريعة واجبة الطاعة، قد صدر في الأمر بها عن وحي لا عن عادة مرعية، وبهذا البيان تحدد ما يعد من السنة شريعة واجبة الطاعة، وما نحن بصدد التعريف بمكانته في بيان الأحكام الشرعية، وأما عن مكانة السنة النبوية المشرفة في بيان الأحكام الشرعية، فإن كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هما المصدران الأساسيان لتقرير الأحكام وبيانها، وإليهما ترجع جميع المصادر الأخرى، ولكن الكتاب وهو القرآن الكريم يعد المصدر الأول والأساس الذي تقوم عليه السنة النبوية ولا تختلف عنه، وكان لذلك أصل الأدلة بقول الله تعالى في سورة النساء ” إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ” ويقول الله تعالى في سورة النحل ” ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ” ويقول الله تعالى في سورة الأنعام ” وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ” ويقول الله تعالى في سورة فصلت ” وإنه لكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ” وإن الآيات في هذا المعنى عديدة كثيرة ونكتفي بما ذكرنا.
وقد جاءت السنة مفسرة للقرآن، وهى تبين مجمله، وتقيد مطلقه، وتخصص عامه، وتفصل أحكامه، وتوضح مشكله، فمن الفرائض والأحكام ما جاء في القرآن الكريم مجملة نصوصه، كالصلاة والزكاة، والحج، فلم يذكر في القرآن الكريم هيئاتها ولا تفاصيلها، فبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته الفعلية والقولية، فبيّن في الصلاة عددها وكيفياتها وجميع ما يتعلق بها، وفي الزكاة أنواع ما تجب فيه من الأموال، ومقدار الواجب فيها وما يتصل بذلك، وفي الحج أفعاله، وكيفيته ومناسكه.
التعليقات مغلقة.