موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

البحث عن الحقيقة بقلم عاشور زكي وهبة

138


البحث عن الحقيقة
بقلم/ عاشور زكي وهبة



هجر موقعي الحالك وسط دغل ملتف الأغصان يابسها، حاملا حطامي القليل.
مررت على برك عطنة، ومستنقعات آسنة توردها السباع الظمأى، بينما يقف بعيدا قطيع من الغزلان الوجلة في ركن قصي تنتظر الورد الأخير الكدر، يتقدمها جمع من الحمر الوحشية المستنفرة في جبن أبكم…
طرق سمعي قرع طبول يصخب كلما تقدمت في سيري الحثيث على هذه الأرض المحتضرة التي ترضع أولادها قفرا أرهقها كفرا.
كما رآيت أيضا دخانا كثيف ينبعث متصاعدا من قبل الدوي يزاحم السماء الحبلى بالسحب، ويؤرقها.
من بعيد، لاحظت قزما قابضا على حربة مسنونة يطارد أرنبا بريا يتقافز هلعا.
اقتربت من مصدر الجلبة والدخان، وجدت قوما يرتدون أسمالا، يتخذون من جلود الحيوانات لباسا، يكاد يستر هيئتهم القزمية اللاهية، يعكفون على طوطم لإنسان عابس ذي عينين جاحظتين بشعتين، يتزلفون إليه بقرابين بشرية، ويتوسلون في ضراعة العابدين، في حين يقرع أحدهما على طبلة عظيمة بغصن جاف في نشوة هستيرية، حوله مجموعة من الراقصات الكاسيات العاريات…
استوقفتهم بصوت صارخ:
_ ما خطبكم أيها العاكفون المتزلفون اللاهون؟!
ما أن انتهيت من سؤالي الصاعق الذاهل، حتى وثب على حشد من الأقزام كالقردة الماردة، كادوا أن يفتكوا بي لولا أن صرفهم كبيرهم متوعدا، يبدو من هيئته أنه ذو مكانة ومهابة لديهم، إذ زجرهم بلغة عصية الفهم، فانصرفوا إلى عبثهم طائعين إلى حيث يقبع وثنهم بغيض النظرة والمنظر…
حملق في مخلصي متفحصا متفقدا سحنتي الغريبة، ثم غمغم بلهجته العجيبة، فلم أفقه علام يرمي قوله الغائم. أومأ لي بعينيه الضيقتين الضائقتين مني، وأشاح لي بيديه القصيرتين كثيفتى الشعر. أدركت أخيرا أنه يدفعني إلى الإنصراف، قبل أن يأكلوني مثل الخروف، ونفدت بجلدي بعد أن تركت متاعي القليل غنيمة للأقزام المتكالبين…
لكنني عجبت لأمر لوجود هذا السيد القزم بينهم، وكيف أطاعوه بزجرة واحدة، وحين سمعت لهجتهم جال بخاطري سليمان الحكيم ومعرفته لمنطق الطير، وكيف استعصى على فهم آدمي مثلي…
وضعت طرف ثوبي في أسناني وعدوت حتى وصلت إلى جبل استظل به من القيظ، أمسح عرقي المنهمر من الرعب والحر. ازددت هلعا حينما فوجئت بيد خشنة تربت على ظهري. التفت لأرى إنسانا بملابس رثة ولحية بيضاء كثة يحمل عشبا جافا، وقليل من الثمر، وكلبه يتبعه كظله، يبصبص لي بذيله، ويلف حولي بجرمه الضئيل. نظر لي الشيخ باسما، ثم قبض على يدي لأتبعه قائلا:
_ من أي البلاد أنت؟ ولما جئت إلى هذه البلاد الجافة الجلفة؟!
ذهب عني الروع فأجبته بأني من بلاد الله، وجئت لأعرف سره في الكون.
ذكر لي أنه أيضا غريب عن البلاد، وقد جاء هنا رغبة في الزهد والاعتكاف عن الناس، ودعاني لكهفه، وكلبه الصغير لا يفارقه. ضحكت صائحا: إنسان كهف في القرن الحادي والعشرين!
ثم سألته بعد أن لمست فيه رقة صافية رغم خشونة العيش:
_ ما شأن هؤلاء الأقزام الذين كادوا أن يلتهمونني هذا الصباح؟!
دعاني للجلوس على حصير يبدو أنه صنعه من خوص المستنقعات، وقص على من أمرهم عجبا، حيث قال:
_ إنهم يقدسون أجدادهم القدامى، ويتخذونهم آلهة، ويتزلفون إليهم في هذا الوقت الجدب للاستسقاء وإحياء أرضهم الموات… والأعجب أنهم ما أن ينتهوا من مراسمهم حتى تبرق السماء وترعد، وينهمر النطر غزيرا كالسيل العرم…
استوقفت الزاهد متسائلا في وجوم:
_ هل تعتقد أن هناك ثمة علاقة بين عبثهم الماجن وسقوط المطر أيها الناسك؟! إنهم قطيع من الهمج يأكلون لحوم البشر.
إن تضرع الحمر المستنفرة أجدى عند الله من لهوهم هذا.
عبس الشيخ قليلا، ثم عادت طبيعته المشرقة سريعا، فقال متداركا سوء فهمي:
_ وما بال كبيرهم القزم؟ لماذا لم يدعهم يفتكون بك؟ إنهم قوم يسالمون من يسالمهم، وأحيا بينهم في سلام.
وكل يتخذ إلى ذي العرش سبيلا يا بني.
الكل حر فيما يعتقد ما دام لا يسيء للغير، ولا يسخر منهم…
عاشرت الزاهد مدة، تعلمت خلالها الكثير؛ لكنني ضقت من تقشفه، وتحريمه على نفسه ما أحل الله من زينة الأرض، والطيبات من الرزق.
ومع ذلك أعجبني ورعه وتقواه، وقدرته الفائقة على العمل رغم شيخوخته وبؤسه.
استأذته للرحيل، فدعا لي أن أعرف سر الكون، ووعدته أن أبثه إياه حينما أتوصل إليه. ودعته وكلبه بجواره قد نما وترعرع في كنف سيده المتقشف.
انطلقت في سبيلي، وقطرات المطر الأخيرة توشوشني، ونسمة باردة تدغدغني في لذة محببة.
استرعى انتباهي وجود خيمة أنيقة ومحصنة بطراز فريد على الطريق. أدركت أنها تتبع أحد العلماء الاجانب الذين يأتون إلى هذه البلاد للبحث والدراسة. وصدق حدثي إذ رأيت شخصا ذا وجه أوروبي يرتدي معطفا جلديا خفيفا يقيه المطر، وتقبع على أرنبة أنفه نظارة سميكة، وأمامه منضدة يعلوها الكثير من القوارير وأنابيب الاختبار، ومواد وسوائل أخرى لا علم لي بها.
اقتربت منه محييا بإكبار جم؛ فما كان منه إلا أن صوب على ببندقية إلية أتوماتيكية، كدت أن يغشي على، لكنه سرعان ما وضعها جانبا، وراح يتفحص أدواته كأنما يقوم بتجربة علمية. رد تحيتي باقتضاب شديد، ثم انغمس في أدواته وتفاعلاتها.
قلت له باسما: بعد المطر الجو جميل.
رد بتلقائية جامدة:
_ إنها حقيقة مؤكدة. المطر تسبقه عدة عوامل طبيعية تستلزم سقوطه.
سالته مباغتا: ألا تعتقد في قوة خفية وراء نزول المطر؟!
قهقه العالم ساخرا، حتى كاد أن يستلقي على قفاه، ثم قال متحمسا:
_ هذا اعتقاد ذوو التفكير البدائي الذين يؤمنون بوجود إله يدير هذا الكون العبثي. وهذا ليس رأي العلم.
جالت عيناى في المكان.. كان يوجد قرد سجين في عربة كبيرة ذات أسلاك مقسمة، يفصله عن قزم قابع في قسم أخر. وكان هناك مجموعة من العلماء يحملون حقائب، ويدونون على حواسيبهم معلومات وأفكار وخرائط ورسومات بيانية…إلخ.
حينما أدرك العالم صدمتي الحضارية قال باسما: نحن ندرس المنطقة ومن عليها وأسفل منها ووو…
نظرت إلى السماء التي لاحت في أفقها البعيد سحابة سوداء كثيفة تجتاح الغابة، وخيم الظلام من جديد، ولى العالم مدبرا ليلحق برفاقه الذين يستعدون لدراسة الظاهرة المحدقة. تشققت السماء بالغمام والدخان المبين يغشى الناس.
قال العالم ضائقا:
_ هذا يوم عسير. أين السبيل أين السبيل؟! هل هذا عارض ممطرنا أم عذاب أليم؟!
عدت أدراجي إلى الكهف حيث يعتصم الزاهد يتعبد، وكلبه باسط ذراعيه بالوصيد. راح يحرك ذنبه حينما رآني، أحس بي الشيخ، رحب بي وأوينا إلى الكهف حتى تنقشع السحابة السوداء، ندعو الإله أن يهبنا طوق النجاة…
وغير بعيد جاءتنا أصوات الطبول الصاخبة تدوي في أرجاء الغابة تستثير الإنس والوحوش، وريح تقتلع خيام العلماء الجهلاء كريح عاد الأولى.
••••••••••••••••••••••••••••••••
( تمت بحمد الله)
تاريخ كتابة القصة 3/1/2000

التعليقات مغلقة.