البدر يفتقد في الليلة الظلماء
رشيد الموذن
• بما أن العيش في العزلة والحجر عبر كل الأنحاء . فلا داعي للإمتعاض من الوضع ، طالما الجو عام ، يسود نفس التأثير على البشرية جمعاء .فكما يقول المثل : .. إذا عم البلاء هان ..غير أنه من الخطأ أن يكون هناك زمن يمر على الإنسان دون تعلم ما حسنت به الحياة زهاء . ولا يكرس وقتا من حياته لتحصيل علم أو معرفة تقوم بها الدنيا الحسناء . فالمعرفة هي الحياة نفسها سواء ، بكل ما تحمل من مباهج وجدانية ، ورخاء . لذالك لما لا نوجه جل إهتمامنا لها بسخاء ؟ مهما تفاوتت الأعمار ، والجنس ثناء . كذالك يحاكي بها الأبناء الآباء . ومهما اختلفت التخصصات والأهواء . خصوصا أن الأمر لا يتطلب اليوم سوى لمسة حريرية من الأنامل على الأزرار بذكاء . لتبرح المعارف الخفاء . كل ما على المرء فقط تحديد طريقة الضبط ، لا داعي لمجال المصادفة هباء . كل الظواهر لا تهدأ لها فورة حتى يتم عصرها وسكبها في إناء . أما الأنسب في الحال ، نبراس في مقدمة المعارف للكون رداء . علوم القرآن به زاد الثراء . هو المنبع الذي يمكن منه الإرتواء . والسبيل الأقوم للفوز بالرهان مع هذه الجائحة النكراء . المطلوب الإنكباب عليه تلاوة وترتيلا ، اعتقادا جازما بخير الجزاء . نظرا للحاجة الماسة اليه جميعا دون استثناء ، خصوصا ونحن مقبلون على شهر ، أنزله فيه رب السماء . عسى أن يتم الخروج من عالم النفس الصغير الضيق ، الكئيب ، الإضطراري الملزم الحال ، كمثل هبوط اضطراري لطائرة منكوبة على جزيرة تعج بالرمال ، لا سبيل للعيش فيها ، دون مصدر انتهاء . نحو الانطلاق لعالم الروح الفسيح ، للطيران بجموح وحرية ، لإرادة الله الأزلية المتعلقة بالأشياء . وإلا فكيف التحادث مع القدر ، والقضاء ؟!. إذا كانت الجعبة من الإيمان خاوية صفراء . فمن لا يحسن تدبير شؤونه ، وأذلته نفسه حتى عض الدقعاء ، ليس عليه أن يختلق الأعذار الكاذبة الخرقاء .كالمستجير بالنار من الرمضاء . كيف يكون له للارض احتواء ؟! . فقد جاء على لسانه سبحانه : (( كذالك لنصرف عنه السوء والفحشاء ))….إن الفكرة الخاصة من هذه الفقرة بوضوح تام ، مرتبطة بالواقع ، منطلقة منه ، لما اصاب البسيطة من بلاء ، دون مهاجمة أعداء ، كي ننقل والحالة هذه مرضى فوبيا المتاهات ، لمناخ ملائم للإستشفاء . وهذا المشفى ما خاب من اليه فاء . فأمة إقرأ لا ترضى لأهلها أن يكونوا مرضى جهالا بل تريد منهم كل السناء . والتربية الحديثة اليوم ، تتناول كيان الفرد ، فتوقظ قواه الداخلية ، تشجعه على البحث والإطلاع ، وتغذي ثقافته بصورة مباشرة من غير اكتفاء . وللأسف الشديد لقد ساد الاعتقاد في مدارج بعض الأذهان ان أهم الواجبات تتجلى في استيعاب معلومات محدودة ، تفيد الانسان في زحمة الحياة المادية ، وإذا أمعنا النظر ، للتعويض عن الطاقة الروحية يتم مضاعفة الطاقة الجسدية ، مع الافراط في استخدامها ، والتفريط في ترك الطاقة الروحية مقعرة جوفاء . تشير بصاحبها نحو دروب ضيقة ، وممرات متقطعة ، ومسالك غير مستقيمة. ظانا أنه للنفس نفع ، وهو لها أساء . فمن تعود أن يعود كل مساء ، يأخد مكانه في المائدة ، ولا يسمي الله ، مع عدم تقديم الشكر لمن تطهي له الطعام ، وهو يتناوله بغبطة ، كما لا يأبه للهر يلتف حوله مرفوع الذنب مواء . ثم لا يحمد الله عند الانتهاء . أعتقد هذا لا لوم عليه ، أن ينزعج ، فقد يتذمر لقلة الملح في المأكل ، والأنكى من ذالك عند وجود كمية قلت أو كثرت من البهارات في الوجبات ، يتولد لديه السخط والإمتعاض ، ولا غرابة من تصرفات تصدر عنه ، أوتنتابه نوبة غضب ، إن لم يعد له يوما العشاء !!؟..هو لا يعلم إن جرى شيئ مخالف للهوى ، فهو جزء من التدريب الروحي يتطلب نوعا من العناء . لا ريب اليوم أن جوهر الحياة ، ليس كما كان التصور سائدا من قبل بأنه الثراء . لقد اختلت بعد كورونا كل الموازين ، واضطربت النفوس ، وإذا ألقينا نظرة على الدنيا وهي تحمل بين يديها كاسا مترعة حتى الحافة ، وعلى الرغم من ذلك ، تنتعل حذاء ، جلديا أحمرا طويلا ، بكعب عالي ، يصل حتى ركبتيها ، من المثير جدا النظر إليها بعين الإزدراء . لما اعتراها من رعشة وثمالة ، وما اعتلا وجهها من شحوب ، فقد جردها الهذيان من كل كبرياء . وختاما يوجد شيئ ينبغي الا ينسى ، قاعدة واحدة تقول : ((كل شيئ هالك إلا وجهه )). ولمن أراد أن يدرس وجوده ، فلا ينحصر في مسجد أو كنيسة أو معبد ، ولا يمكن أن نختزله حتى في مذهب ، إنما يستطيع أن يبحث عنه في الذات البشرية ، إذ منحها جوارح وحواس وفق إرادته ، وتحت سيطرة صاحبها ، وبإرادة منه عطلها سبحانه إن شاء . كذالك من خلال كل ما يحيط في هذا الكون ، خاضع متأهب للتلبية لمن له الأمر فقط بين الكاف والنون ينتظر الإشارة والنداء . لكن تبقى المعرفة كالماء . تتدفق من مكان ما ، حسب الطلب . وأشير قبل أن أنهي الكلام ، أن هذه الرحلة الروحية ليست رحلة يمكن القيام بها بدافع الواجب ، لأنه لا يمكن القيام بها إلا بدافع ما يسمى الحب … والحب وحده … ذالك الحب هو للذين يبحثون عن هدف في هذا العالم الذي يجري بسرعة كبيرة ، حيث العقارب تمشي خيلاء . كما أن المألوف رحلة المحبين دائما ، محفوفة بالمكاره ، والمخاطر ، وتحمل الكثير من الأعباء . والحب لا يكتمل الا بالالم ، ولكن في اكتماله تبدأ رحلة النضج ، والتغيير من الداخل ، فمن ثم ساعتها يبدو متوهجا ، غارقا في الصمت ، والأفواه فاغرة فاها حوله مندهشة كأنما رأت ضياء … (( فأما الزبد فيذهب جفاء ))..ولعل أفضل مسك الختام لعلي ابن أبي طالب : **
أَرَى حُمُرا تَرْعَى وَتَأَكُلُ ما تَهْوَى
وأسداً جياعاً تظمأ الدهر ما تروى
وَأَشْرَافَ قَوْمٍ ما يَنالُونَ قُوتَهم
وَقَوما لِئاما تَأْكُلُ المَنَّ والسَّلْوَى
قَضَاءٌ لِخَلاَّقِ الخَلاَئِقِ سابقٌ
وليس على رد القضا أحدٌ يقوى **
بقلم …
رشيد الموذن @@@
المغرب@@@
التعليقات مغلقة.