البعيد عن العين، بعيد عن القلب: بقلم: حاتم السيد مصيلحي

البعيد عن العين بعيد عن القلب بقلم / حاتم السيد مصيلحي

مقولة مغلوطة ككثير من الأقوال الفلكلورية المتوارثة، فليس كل مرئي قريب، وليس كل قلبي غيبي بعيد، فحب العبد لربه مبني على رؤية النعم والتأمل في مخلوقات الله الكونية، دون النظر إليه أو رؤيته بالعين المجردة ؛ لعلمه باستحالة ذلك في الدنيا، وشاهد ذلك قوله تعالى:{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف : 143] وإن كان ذلك مأمولا في الآخرة بتقديم القربات، وفعل الطاعات. ورؤية رسول الله ﷺ لم تتحقق لنا؛ لأنه بُعث في زمن سابق على زماننا، ولكنه ذكرنا حين قال: أحبابي، فقال صحابته: أولسنا أحبابك؟! قال: بل أنتم أصحابي، أما أحبابي هم من آمنوا بي دون أن يروني، وهذا أعلى درجات الحب وأرقاها. كذلك الأمر إذا غاب الزوج عن زوجه وأبنائه، أو العكس ، أو عزيز لدينا، لدواعي السفر أو لمقتضيات الموت والفناء، فإن الذكرى تبقى حية بينهم على أمل بلقاء يجمعهم، يصبرون أنفسهم بتلك الذكريات ويزرفون عليها الدموع، فتنزل على الوجنتين لتطفيء نار الشوق والحنين. إن البعد عن العين لا يكون بالضرورة بعدا عن القلب، كما أن القرب المكاني لا يعد سببا في إيجاد الحب..