التأويل د.أحمد دبيان
التأويل د.أحمد دبيان
يقول المولى سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ مِنْهُ ءَايَٰتٌ مُّحْكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٌ ۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَآءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِۦ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُ ۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ)
هنا تنزل النص قاطعاً بأن الآيات منها ما هو محكم ومنها ما هو متشابه وان التأويل لا يعلمه الا الله ، لتجئ واو العطف للراسخين فى العلم لتحمل فى ذات الاية تأويلا قد يعنى الإيمان المطلق الغيبى دون اعمال للتدبر والعقل أو لتنحى منحىً تأويلياً عقلياً بأن الراسخون فى العلم والعقل والتدبر قد ينهلون من علم الله ويفتح الله عليهم من علمه ما يجعلهم يسبرون حقائق الإشارات والدلالات .
التأويل ضرب من ضروب الاجتهاد، وذلك بصرف اللفظ إلى ما يؤول إليه، يقول الزركشي: ” والرابع ما يرجع إلى اجتهاد العلماء وهو الذي يغلب عليه إطلاق التأويل وهو صرف اللفظ إلى ما يؤول إليه، فالمفسر ناقل والمؤول مستنبط.”
فالألفاظ تخضع لعملية التفسير في ألفاظها، بينما تخضع لعملية التأويل في معانيها، وقد اهتم بهذه الظاهرة كثيرا الأصوليون، انطلاقا من تعاملهم مع النص القرآني الذي يقتضي في بعض الأحوال ” صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها.
يأتى التأويل صنو التفسير القرآنى
الذى بدأ التفسير في عهد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إذ كان القرآن ينزل على النبيّ -عليه الصلاة والسلام- مُفرَّقاً حسب الحوادث، والوقائع، وكان -عليه الصلاة والسلام- يُفسّر للصحابة، ويُبيّن لهم ما أُشكِل عليهم من معاني الآيات المُنزَلة؛ فهو أعلم الناس بالقرآن الكريم، ومعانيه، وهو المصدر الأوّل في تفسير القرآن على الإطلاق، ومن أمثلة تفسيره -صلّى الله عليه وسلّم- فى آياتِ القرآن تفسيرُه قولَ الله -تعالى-: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)؛إذ قال: (فإنَّه نَهْرٌ وعَدَنِيهِ رَبِّي عزَّ وجلَّ).
لم يفسر النبى جل القرآن وظل الكثير من آياته لم يتم تأويله فأخذ بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- العلم بالقرآن الكريم، إجتهاداً وببيان معانيه وألفاظه عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مجتهدين فيما ترك للإجتهاد فكان منهم ستّة عشر صحابيّاً من أئمّة التفسير، ومن بينهم عائشة -رضي الله عنها-، ومنهم من كانت آراؤه في التفسير يسيرة، ولم يرِد عنه سوى القليل، ومنهم من أكثر منه، وأصبح عَلَماً فيه؛ فأكثروا من الرواية عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، واجتهدوا في تفسير ما لم يَرد فيه شيء عنه -عليه الصلاة والسلام-، وهم أربعة: عبدالله بن عباس، وعبدالله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وأبيّ بن كعب -رضي الله عنهم أجمعين-، ومع توسُّع المسلمين في الأمصار، وانتشار الصحابة، نشأت في كلّ بلد ذهبوا إليها مدرسة للتفسير؛ فكان ابن عبّاس في مكّة، وأبيُّ بن كعب في المدينة، وعبدالله بن مسعود في الكوفة، ومن هنا انتشر علم التفسير من الصحابة إلى تابعيهم، ومنهم إلى تابعيهم، وهكذا.
لم يغلق القرآن ولا الرسول عليه الصلاة والسلام باب الاجتهاد والتأويل والذى سيظل اذا ما تم اعلاء قيمته مرادفاً لتصدر شأن العقل والإجتهاد وعبادة التدبر والتفكير .
يرى الفيلسوف الألمانى مارتن هيدجر
إن العالم لا يكون متجليا بشكل مباشر و إنما محتجبا و بالتالي فهو بحاجة إلى نشاط هرمينوطيقي أي نشاط يقوم على التأويل و التفسير الذي هو بمثابة الوصف الفينومينولوجي للفهم .
إن التأويل (حركة) متصاعدة لا تتوقف فإذا توقفت تحتم وجود تجاوز زمانى ومكانى للنص .
لهذا فإن النص لا يعيش الا في ظل التأويل.. ومن هنا ظهرت في العصر الحديث حركات إسلامية (فردية)عديدة تبنت مفهوما جديدا للنص القرآني كما ظهر مفكرون أصحاب وجهات نظر مغايرة لمألوف التراث الإسلامي ولعل تاريخ هذه الحركة الفكرية الجديدة قد استهلت بالإمام محمد عبده الذي قاد هجمة شرسة على مؤسسة الدين الرسمية في البلاد (الأزهر) ومما قاله عن الأزهر (مكثت عشرة أعوام أنظف رأسي عن قاذوراته ولم أستطع).
الحكم بسجن شخص ما لأنه إجتهد فى تأويل ما لا يخالف جوهر العبادة ووحدانية الخالق ومقصد الشريعة وهو الإنسان هو ديكتاتورية دينية ترسخ لكهنوت المصالح بالجمود والإحتكار التأويلى التفسيرى المصدر للتغييب الساعى دائماً وأبداً لمحاصصة سلطوية يكون فيها هو الداعم لأى ديكتاتورية تحقق مصالحه سواءاً كانت فاشية سياسية او بلوتوكراسية رأس المال وديكتاتويته السلطوية .
التعليقات مغلقة.