التاسعة مساءََ قصة قصيرة بقلم علي جبل
التاسعة مساءََ قصة قصيرة بقلم علي جبل
وصلت سالي إلي نهاية المرحلةالثانوية،علِمَتْ حينها أنني لست بأمها، وهو ليس بأبيها،هى إبنتنا في شهادة الميلاد فقط. أيقَنتْ ساعتها لماذ استهانوا بها إلى هذه الدرجة؟
سالتني ذات مرة وهى مازالت صغيرة،
هل أخواتي يخفن من أبي كما اخاف منه؟
ولماذا يتعامل معي بطريقة مختلفة؟
لا أشعر منه بأي حب أو عطف!
يحبهم أكثر مني!
مرت بسنوات من الالم النفسي والجسدي. وعندما نضجت وأصبحت في فورةالشباب سمعتها وهي تبكي في غرفتها بعد منتصف الليل بحرقة والم مع صراخ هيستيري، دخلتُ عليها، احتضنتي بخوف، وكأنها تستغيث بي -نظراتهم تحرقني! يقتربون مني يتلمسونني بطربقة مُهينة.
أهملتُها وكأنني لا اعلم من الأمر شيئا.
في داخلي غُصة، تأكدتُ انها تتعرض لأزمة ما، منعها الحياء أن تُفصِح عما يدور في خلجات نفسها.
عيونها كانت تقول ما لا يستطيع لسانها ان ينطق به. نظراتها إلى زوجي كانت قاسية، لا تحب ان تره، تترك المكان سريعا عندما تشعر بقدومه.
لا أدري ما الذي دفعني بعد أن مرت كل هذه السنوات ان أخبرها عن موت امها وهي رضيعة، واختفاء أبيها فجأة بعد أن طلقها دون أن يعلم عن حَمْلها شيئا؟
ألِأنني شعرت بانهيار قيمةالأبوة بداخلها بعد معرفتي الاكيده بتحرش زوجي بها؟
ام لإرضاء بناتي اللاتي كُنَّ يغرن منها لجمالها وفِتنتها وخاصة بعد معرفتهن أنها ليست بأختهن ؟ أم خوفا على إبني الذي انزلق إيضا داخل هذا البركان الذي يقذف بِحِمَمِهِ الملتهبة علي الجميع؟ أم لإنقاذ البيت الذي أوشك على الإنهيار.
كنت عندما اقترب من غرفتها اقدم رجلا وأؤخر اخري خوفا من أن اُصدم بشيء ما.
كثيرا ما ساورني القلق واهَمَّتْني الشكوك.
والدها من الأثرياء.تزوج من امها رغم رفض عائلته لهذه الزيجة التي لا تليق به وبهم.
صارحتني يوما ما بتأزم الامر بينها وبين زوجها،وبأنه سيغدر بها يوما ما، وقد حدث ما توقَعَتْهُ، وطلقها، ثم اختفى بعد الطلاق مباشرة.
كنت لا أعرف من هو؟ وإلى اين ذهب؟
فلم أره أو يرني سوى مرات قليلة عند زيارته لزوجته اثناء دخوله وخروجه عليها . بَحَثتُ في شقتهم المستأجرة عن اوراق ثبوتية كعقد الزواج أو الطلاق فلم أعثُر على شيء يُثْبِتُ نسبها-يبدو أنه سرقها- فاضطررت إلى تسجيلها باسم زوجي، فأصبحت ابنتي.
التحقت سالي بالجامعة،ثم جاءت اللحظة المناسبة كي تترك البيت، خيرتُها بين البقاء أو الإنفصال، وفي قرارة نفسي كنت اتمنى أن تتركنا وتذهب. فالبيت على وشك الإنهيار.
اخذَتْ قرار الإنفصال وهي راضية ، سُرعة الموافقة أشعرتني أنها كانت تتمنى ذلك. غادَرَت البيت الذي أهان طفولتها، وحطم انسانيتها، وانتهك حرمتها، ولوث براءتها.
اضطرَّتها الظروف للعمل حتى تستطيع تدبير
مصروفات المعيشة والجامعة، ومن خلال تجاربها المريرة ،تكونت داخلها قناعات عدائية تجاه الرجال!إنهم كالذئاب، ولن أكون
ابدا فريسة لهم،سأسخرهم لخدمتي، هذا ما هَمَسَتْ به لي في إحدى الليالي وهى هادئة.
كانت جميلة حد الإبهار، جحدت قيم المجتمع الذكوري الذي اهانها وأذلها وتعامل مع جسدها وكانها خُلِقَتْ للمتعة فقط. أحسَّت بقيمة جسدها الرشيق ،وجمالها الأخاذ.
عزمت على توظيفه لتحقيق أهدافها.
انهت تعليمها الجامعي بتقدير سمح لها بالتعين في الكلية،كانت كعادتها لا تستسلم ابدا.وكأن ظروفها النفسية السيئة التي مرت بها كانت دافعة لها على التفوق،لا على الفشل.
وكان القسم مُؤَسَسْ حديثا ويحتاج لمعيدين للعمل به. وقبل ان تتسلم عملها بالكلية وفي آخر زيارة للبيت الذي كرهته كراهة التحريم اخبرتني بعنوان سكنها الجديد ، ومقرها بالجامعة.
إنها تحترمني وتبادلني مشاعر الحب، والأمومة.كانت رقيقة جدا معي. ولكنها ترفض أن تصبح مثلي مهيضة الجناح، مهضومة الحقوق.
كنت أراقبها من بعيد دون ان تدري أوتشعر.
سعت الى توطيد علاقتها مع بعض الأساتذة والمدرسين بالكلية، حولت بعضهم إلي ادوات وآلات تحركها كما تريد، وقتما تريد.
استمالت رئيس القسم الذي تدرس فيه، اظهرت له حبا ودلالا يفتقده مع زوجته التي أهملت حقوقه النفسية والفسيولوجية،
وحتي العائلية والإجتماعية. كانت لا تعيره أى اهتمام، منتسبوا القسم كانوا يعلمون بفتور العلاقة بينه وبينها. اشتكى من ذلك لبعض المقربين منه داخل الكلية.
جنح بكل مشاعره إلى سالي، سيطرت علىه، أحيت بوار قلبه المشتاق للحب كأرض جدباء ارتوت بالماء بعد العطش.دون أن تفرط في نفسها. فقط بعض كلمات الحب والدلال. ساعدها في جمع المادة العلمية التي تخدم موضوع البحث من نصوص قد تكون
غائبة عنها، وشرح بعض المواد التي لم تفهمها، ذلل لها كل الصعوبات إلى ان حصلت علي رسالة الماجستير، ثم الدكتوراة بتقدير إمتياز مع مرتبة الشرف الأولى.
وبشكل مفاجئ تبدلت مشاعرها وكأنها لم تعرفه من قبل. وخاصة بعد ان تسلم رئاسة القسم استاذا غيره. أهملته عامدة.
تذكر كيف كان زميله يصفها بالنفعية،وكم نصحه بالإبتعاد عنها ونسيانها.
الآن أصبحت في مجلس القسم، لها مكتب خاص بها. صوتها كصوته، رأيها كرأيه، وفي أحيان كثيرة تُنَاطِحه في امور ومشاكل تخص القسم. قتلته النظرات الساخرة
والهمز واللمز من المحيطين به، كانوا
يُطلقون عليه الأستاذ المتصابي.
في صباح ذلك اليوم، اشتقتُ لرؤيتها
ذهبتُ إلي الجامعة، صعدتُ الي الدور الثاني حيث مكتبها الجديد، وبينما انا اقف علي باب مكتبها وجَدْته يدخل عليها منفعلا دون استئذان ،حتى أنه لم يرني، ولم يفكر في غلق الباب خلفه.
كان مُتَجهِِم الوجه أوداجه منتفخة كديك شركسي شرس.
صرخ في وجهها متهما إياها بإهانته داخل القسم، بل داخل الجامعة، وفي قمة ثورته قال لها :لن أستعيد كرامتي وهيبتي إلا بالزواج منك. تذكرتُ ملامحه، إنه هو، لقد رأيته من قبل! اقتربتُ منهما ،لم يشعرا بي لتوتر الأجواء، وحِدة المشاعر.تأكدتُ أكثر.
إنها تشبهه كثيرا، حتي في حركات الجسد، كما ورثت منه طول القامة، وبياض البشرة واستدارة الوجه، ولون العينين الأخضر.
إنه أبوها. يطلب منها الزواج ! يا إلهي! كيف لهذا أن يحدث؟!
ضاق صدري،ذهب عقلي، وانعقد لساني.
كيف لي أن أتصرف؟ وهل أستطيع منع هذه الجريمة؟ لابد من عمل ما.
ُأُُضِيئت الأنوار فجأة ،خرجتُ من حالة التقمص لبطلة الفيلم الذي كان يُعرض مساءََ في إحدى دور العرض السينمائية.
وجَدْتُ يدي تقبض على يد زوجي بقوة وابتسمت له ابتسامة خفيفة وكأنني اعتذر له عما تخيلته أثناء شرودي طوال مدة العرض.
انتهت.
التعليقات مغلقة.