التبني بين ( التاريخ والشرائع) عرض وتقديم : حاتم السيد مصيلحي
التبني بين ( التاريخ والشرائع) تأليف : د. عبد اللطيف محمد عامر
عرض وتقديم : حاتم السيد مصيلحي
خلق الله الإنسان ووضع له الضوابط والمعايير الحياتية التي يسير عليها، حتى يطيب له العيش على الأرض، وشرع له الشرائع التي يستقيم بها أمره، ويطيب له العيش فيها، ومنها القوانين التي تحكم علاقات الناس بعضهم البعض، وأحكام الأسرة، والميراث وما إلى ذلك من أمور إن لم تحكمها الشرائع وفصلت فيها أفسدها الناس، ومن تلك القضايا قضية التبني لما يترتب عليها من ضياع الأنساب، والحقوق بين الناس.
لذا أبطل الإسلام التبني، والآثار المترتبة عليه رغم مظهره الذي ينم عن الرفق بالأطفال والعناية بمشاعر الناس وعواطفهم، وذلك انطلاقا من الحرص على مصلحة الأطفال والعناية بالوسائل الكفيلة برعايتهم وحمايتهم خلافا لما قد يوهمه هذا الموقف من إبطال للتبني ينبني عليه إبطال حق مكتسب لطفل في الانتساب إلى أب.
ومن ثم فالتبني : “هو انتساب ولد معروف النسب أو مجهوله إلى غير أبيه الحقيقي.”
ولم يكن التبني معروفا بمعناه المألوف عند اليهود، رغم أنه كان عادة قديمة جارية عند الرومان واليونان وغيرهم، وغير مطابق للناموس الموسوي المتعلق بالإرث، وإذا كانت الشريعة اليهودية قد أغفلت التبني، ولم تبن عليه حكما من الأحكام، فإنها رتبت أحكاما للقيط، وبنت على هذه الأحكام حالات لثبوت النسب والمصاهرة، فاللقيط – في نظر هذه الشريعة – ابن زنا، لا يجوز أن ينسب، ولا يجوز له العقد على واحدة من الملة ولو كانت بنت زنا يقينا، ولا يعد اللقيط لقيطا بالمعنى الشرعي لدى اليهود إلا إذا دلت القرائن على أن إلقائه في الطريق كان الغرض منه إهلاكه.
ويؤرخ الباحث لتاريخ التبني حيث عدَّ التبني نظاما روماني الأصل، وكان الغرض منه إتاحة الفرصة لمن لم يرزق أطفالا أن يشبع عاطفة الأبوة بطريقة صناعية، ومن أجل ذلك فإن معظم القوانين المنظمة للتبني تشترط في المتبني ألا يكون له أولاد.
ولقد كان التبني مذهبا جدليا حتى القرن الثاني الميلادي، وقد بعث من جديد في أواخر القرن الثامن حينما أعلن بعض كبار الأساقفة وهو فيلكس أن المسيح في طبيعته الإلهية كان ابن الله بالطبيعة والمولد، أما من حيث طبيعته الإنسانية فهو ابن الله بالتبني، وقد عقد مؤتمرين كبيرين في رانجون سنة ٧٩٢، وفي فراكفورت سنة ٧٩٤،أدان فيهما الإمبراطور (شارلمان) هذه النظرية وهاجمهما حتى اضطر بعض المنادين بها إلى التراجع عنها، والاعتذار أمام مؤتمر ديني سنة ٧٩٩،وحظرت الكنيسة على الأساقفة العودة إلى مثل هذا الرأي.
والتبني في علم اللاهوت، هو عملية قبول عضو في “العائلة الإلهية” وأن المركز السابق للشخص المتبنى بهذه الطريقة كان أولا هو مركز ” خادم الله” أما الآن فيسمى “ابن الله” وريثا مشتركا مع المسيح، وفي اللغة الدينية فإن التبني عن طريق التعميد هو عملية أن يصبح الشخص أبا أو أما وصيته على طفل أوشك تعميده، وهو لا يجعل الطفل وريثا لأبويه الروحيين على خلاف التبني الحقيقي.. وليست هذه القوانين مستمدة من الشريعة المسيحية وكتبها، بل يرجع ذلك إلى الاستعانة بأحكام سابقة أولا حقة يقبلها القانون الكنسي ونظمها فأضفى عليها بذلك الطابع الديني.
وقد اشترطوا في التبني عدة شروط هي :
١- ألا يكون للمتبنى أولاد ولا فروع.
٢-أن يكون التبني قد بلغ من العمر أربعين سنة على الأقل، وأن يزيد سنه خمسة عشر عاما على الأقل عن سن المتبنى.
٣- أن يوافق زوج المتبني على التبني حيث يكون متزوجها.
٤- أن يرضى المتبنى بالتبني، وإذا كان متزوجا، فلا يتم التبني إلا بموافقة زوجته، وإذا كان قاصرا فلابد من موافقة والديه أو من كان منهما على قيد الحياة، وفي حالة وفاة الأب والأم أو استحالة إبداء الرأي من جانبهما، فيجب موافقة وليه بعد استئذان المحكمة إذا كان المتبنى مجهول النسب.
٥- أن يتم التبني بإشهاد رسمي أمام كتب التوثيق.. هذا عند الكاثوليك.
ولا يجوز التبني عند الأقباط الأرثوذكس إلا إذا كانت هناك أسباب تبرره، وكانت فائدة تعود على المتبنى من هذا التبني.
ويشترط لصحة التبني عند السريان أن يكون المتبنى مجهول النسب، فلو كان نسبه معلوما لما جاز تبنيه.
ويختلف مدلول كلمة (التبني) عند قدماء المصريين عنه عند غيرهم، فالتبني يأخذ صورا وأشكالا، وإن كان لون من الحنان والرعاية وإشباع عاطفي للمحرومين من الأولاد، وخدمة اجتماعية تكاد تشبه الالتزام على هؤلاء المحرومين نحو الأطفال اليتامى.. ومن دوافع التبني عندهم :
١- الدافع السياسي: وهو أن يتبنى أحد الحكام واحدا من الرعية أو من أقاربه ليئول إليه الحكم بعده، وليححب هذا الولد المتبنى بقية الأقارب المستحقين للسلطة.
٢- الدافع الاجتماعي : وهو اتجاه يتقوى به المتبنى أوالمتبني أو كلاهما معا، يكتسب أحدهما أو كلاهما لونا من الاستقرار الاجتماعي.
٣- دافع يمليه الميراث : وهو أيلولة تركة المتبني إلى متبناه دون بقية أقاربه المستحقين.
التبني عند العرب في صدر الإسلام :
كان التبني نظاما مشروعا في الجاهلية، يترتب عليه ميراث، وتنمو بمقتضاه أسر، وكان من الطبيعي أن يأتي الإسلام فيدرك صورا من هذا النظام كما أدرك غيره من النظم الجاهلية، فأقر بعضها وأنكر بعضها، وترك البعض الآخر لإصلاحه أو إلغائه تدريجيا.. وكان من أبرز حالات التبني :١- المقداد بن الأسود
٢- سالم مولى أبي حذيفة.
٣-عامر بن ربيعة.
٤-زيد بن حارثة.
وقد نص القرآن الكريم على بطلان التبني في آيات منها، قوله تعالى 🙁 وماجعل أدعياءكم أبناءكم ) [ سورة الأحزاب، الآية : ٤]، وقوله تعالى: ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) [ سورة الأحزاب، الآية : ٥] وفي هاتين الآيتين قد جاءتا لتهدما نظاما اجتماعيا كان شائعا في الجاهلية وكان له امتداد في صدر الإسلام، وقد رفع الله بهما حكم التبني، ومنع من إطلاق لفظه، وقد سلك الإسلام سلوكا عمليا نحو إبطال هذا النظام الذي امتدت جذوره في المجتمع الجاهلي، وامتدت آثاره إلى مجتمع صدر الإسلام، وقد قسم الباحث هذا السلوك إلى مراحل ثلاث :
١- زواج زيد من زينب بنت جحش :
حيث خطب الرسول- صلى الله عليه وسلم – زينب بنت جحش، وكانت بنت عمته، فظنت أن الخطبة لنفسه، فلما تبين أنه يريدها لزيد، كرهت وأبت وامتنعت، فنزل قول الله تعالى 🙁 وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) [ سورة الأحزاب، الآية : ٣٦] فأذعنت زينب حينئذ وتزوجته.
٢- طلاق زينب من زيد :
كان إذعان زينب إذعان تعبد وامتثال لأمر الله، ولكن لم يترتب عليه ميل من زينب إلى زيد، أوحرص منها على استمرار هذا الزواج، ولعل ذلك لينفذ الله أمره وليقع الطلاق – حين يقع – على رغبة وترحيب من كلا الطرفين.
٣- زواج الرسول من زينب :
كان زواج زيد وتطليقه وزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – من زينب بمثابة التطبيق العملي لهذه القاعدة الشرعية الجديدة؛ لأن القرآن نزل بعد استخارة زينب لربها في خطبة الرسول إياها هو قوله تعالى : ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) [ سورة الأحزاب، الآية :٣٧] فكما كان زواج زيد من زينب بوحي وكان طلاقها منه بوحي، كان زواجها من الرسول بوحي كذلك. ومن ثم فالإسلام قد أبطل التبني معتمدا في بناء النسب على أساس من الصدق وصفاء العلاقات الأسرية وإعطاء كل ذي حق حقه، وكل شكل من الأشكال من شأنه تزييف العلاقات بين الناس، وتشويه حقيقة أنسابهم فهو مرفوض من نظر الإسلام اختلفت اسماؤه وتعددت أشكاله.
التعليقات مغلقة.