التنمية الذاتية(علم أم احتيال؟)
هنا سعد
إن بناء إنسان قادر على الحياة بشكل متوازن، متمتع بقبول نفسه والمحيطين، متمرس على التكيف مع متغيرات الحياة،راض بما يملكه، لديه الرغبه فى إكتشاف قدراته وتطويرها، ساع للتحسين المستمر لذاته وللمحيط الذى يحيا به هو أعظم بناء فى الكون وما أجملها من بناية!
قال شاعر الحكمة أبو الفتح علي بن محمد الكاتب البستي
أقبل على النفس واستكمل فضائلها****
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
من هذا المنطلق كانت دعوة الأديان إلى الفضيلة والحق والعدل والتسامح والخير والمحبة… فطرة الله التى فطر الناس عليها؛ فإذا ماحدث خلل لهذه الفطرة احتاجت النفس إلى من يقومها ويقيمها حتى لاتهوى البناية ويكون مصيرها الهلاك بعد معاناة الشقاء.
وهو ما يتوافق أيضًا مع هدف الإعمار الذى خلقنا من أجله.
للإعمار عدة أوجه:-
١-إعمار البيئة
بتمهيدها لتكون صالحة للحياة عليها عن طريق بناء المصانع والاهتمام بالزراعة وإنشاء مؤسسات وهيئات ومساكن وتمهيد الطرق …
٢-إعمار المجتمع
بتشريع الأحكام والقوانين وضمان كفالة الحقوق والحريات وحماية الافراد والعمل على تطوير المجتمع وتحسينه للوصول الى الجودة المطلوبة وينبثق مما سبق ما يسمى ب {التنمية البشرية }
وهو مفهوم عام ينطبق على كل وسيلة تحاول أو تدعم تطوير المجتمع فى كل مجالاته والنهوض بمستوى البشر حول العالم.
ويشير البرنامج الانمائي للأمم المتحدة إلى توجيه الحكومات والقيادات المجتمعية حول العالم للقيام بدور هام من شأنه النهوض بالمجتمعات عموما و الفرد البشري بصفة خاصة؛ الذي هو عماد وركن هذا المجتمع البشرى؛ فتضمن لهم الحصول على كل الامتيازات التى تساعدهم على حياة أكثر طمأنينة وراحة ونشاط بما يكفل لهم جودة الحياة؛ كالاهتمام بتنمية البشر فى مجالات متعددة للارتفاع بمستوى المعيشة والاهتمام بالمرأة والحد من عمالة الأطفال والاعتراف بالحقوق والحريات والمشاركات البرلمانية والانشطة الثقافية وغيرها.
أى ينصب الاهتمام فى التنمية البشرية حول (المجتمع) وما يحويه من أفراد.
بقى لنا وجه آخر من أوجه الاعمار وأعظمها وهو:-
٣-إعمار الذات
بتهذيبها وإصلاح ما يشوبها من فساد واعوجاج وانتقاص ونفض الغيار عن العطايا الالهية للنفس البشرية وإعادة التوازن الداخلى وتنميتها (ومن أحياها) وهو ما يشير إلى
{التنمية الذاتية}
ترتكز التنمية الذاتية على( الفرد )وتدعم تنميته من كافة الجوانب (النفسية والاجتماعية والعقلية والجسدية)
وتهتم بتدريب الشخص وتنمية قدراته للتعامل مع كافة المتغيرات والمستجدات الطارئة فى حياته مما يساعده على التكيف، والتحمل، وفهم أغواره العميقة.
كما تعمل التنمية الذاتية على وضع حلول وبدائل أمام الفرد لكى يختار بنفسه لنفسه الأنسب منها دون حدوث أزمات قد تهدد سلامته وأمانه النفسى،
وتهدف لحل الخلاف القائم بين الشخص ونفسه؛بأن تدفعه ليكون أكثر توافقا معها.
كما تحل مشكلات العلاقات الاجتماعيه والأسرية التى تتعلق بالشخص ومن يعيشون معه لتضمن له أفضل مستوى من التكيف الاجتماعى .
كما تهتم التنمية الذاتية على اكتشاف الفرد لما يملكه من مخزون من القدرات الهائلة التى لايعى وجودها لتخدمه فى تحسين كفاءته الحياتيه وتجعله يعيش التوازن المنشود
فالعلاقة بين المفهومين (التنميةالبشرية، والتنمية الذاتية )علاقة تكاملية؛ فما يدعم الفرد (الذات البشرية) يخدم المجتمع ،وما يخدم المجتمع يدعم الفرد.
أصغر وحدة فى المجتمع (الفرد) هى أهم وحدة فيه؛ تخيل مجتمع ملئ بمرضى النفوس والقلوب الذين يتصفون بعدم السواء النفسى والقلبى والعقلى؛ هل ينجح أحد فى تنمية وتطوير هذا المجتمع إذا لم يفلح فى إصلاح ركيزته الاساسية؟ بالطبع لا.
والغريب إن من بين البشر من يزعم أن مجال التنمية الذاتية هو مجال للاحتيال على العقول والسذج من الناس؛وإن رواده يتمسحون بمجال التنميه البشرية حتى يحصلوا على القبول المجتمعي لهم، ويدعون عدم وجود منهج محدد أو مرجعيات علمية لمجال التنمية الذاتية؛ إن هؤلاء نظرتهم متجنية؛ حيث أن العلوم الإنسانية والاجتماعية وفروعهم تدرس بمناهج وزارية عليا هى الاساس العلمى والمرجعية العلمية لهذا المجال كما أن المكتبات العلمية تكتظ بالرسائل العلمية (ماجستير ودكتوراه وابحاث علمية قيمة)هى أيضًا من المراجع العلمية للتنمية الذاتية بل أن جذور التنمية الذاتية تضرب بعمق إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حيث الاهتمام بالانسان وتربيته بايجابية ورعايته واستخراج أفضل مالديه من مقومات وقدرات، ودعمه والاستثمار فيه هو أساس التنمية الذاتية، ومحور اهتمام العلوم الشرعية.
التعليقات مغلقة.