التيار
بقلم رشيد الموذن
اخترق صفا من الصخور الضخمة، تابع سيره حتى آخر الصخور التي تموج بماء البحر ، تبين له لأول مرة بوضوح شديد تراكم الصراخ الشديد بداخله يكاد يتحول الى عويل حقيقي ، الا انه اختنق كعادته ، لان الصراخ جنون بالنسبة له ، والبكاء في اعتباره للنساء فنون ، في حين بدأ في الاقتراب من الحافة حيث بدا الماء عكر من فرط التيار الهادر، لكنه تذكر إذ طالما نجح في وجه التيارات ولم يعد يخطو بحذر نحوها كما لم تعد تخيفه لذالك لن يحاول ان يتحاشاها ففلسفته في ذالك أن الكبار لا يداهمهم اليأس ولا يستسلمون ويظلون على يقينهم حيث انهم أثوب مخلوقات عند الله، وهذا إعلان كاف له بأن الكوارث حتما تصاحبها قدوم البشرى.
رفع رأسه كأنه سمع جمرات النار تنطفئ انطفاء مفاجئا بداخله. قرأ الفاتحة على روحه، فلم يعد يقوى الوقوق على قدميه. لم يعد يتذكر شيئا كل شيءٍ خلفه قد انتهى..تراجع خطوة، نكس رأسه لم يتبقى أمامه سوى تشجيع نفسه على الإندفاع نحو الماء وينبغي له كعادته الصمود في وجه أي امتحان. كان كل ما يرغب به هو أن يعيش كريما مهما كان نوع ومستوى الحياة التي يعيشها . عد ثلاث قبل أن يقفز ، وهو يعلم يقينا انه ليس لهذا العد اهمية كبرى ، لكنه على الأقل يثير مجموعة من المشاعر التحفيزية التي تهيئ الجو لكي يتمكن من استجماع كل قوته ، إلى أن فتح عينيه والماء يغمره، آخدا في الإرتفاع الى أن أحس بالتيار في ذروة جنونه معربدا ، وأن أطرافه مشلولة والموت منه يقترب, سرحت روحه عما يحدث له ، شرب الماء فاق حد الشبع ، وتحت الماء خيل اليه في لحظة خاطفة أنه على الأقل مستريح نفسيا حيث أقدم على فعلته مكره ، قد فاض كأس روحه بما يبغضها ، لا ما سمعه او حتى ظنه ..فتذكر في حينه كأنه فجأة تنفس أوكسجينه وسمع صوت خيل اليه أنه من عالم آخر كأنه يعرفه ، خامره شعور مبهم بأن عليه التدحرج للوراء قليلا من حياته ، نعم بالفعل كان بالنسبة له أكبر مفاجأة حصل عليها في حياته، منذ اخترق شرايينه أصبح هواءه الذي يستنشقه، ظل يتمرغ في وحل الأيام بشتى الصروف التي طبقت عليه كبيرها وصغيرها ليظل محافظا على وجود معنى السعادة في حياته ، مع من أحب . وكم كان يود التغيير لأجله . ثم تجمدت الحروف في حلقه وأبت الخروج بعدها من حنجرته الا ثلاثة حروف ظلت تخرج متسارعة متقطعة على شكل صراخ مرعب.. كرم .. كرم.. ك. ر. م. الى أن غمرته المياه كليا .عم سكون وحشي تخرقه زمجرة التيار الكاسر يرتطم بالصخور، ..
فجأة استيقظ مع ميلاد فجر جديد في ذهول عما إذا كانت الأحداث حقيقية ام مجرد كابوس . حقيقة لم يتبقى شيئا من حلمه سوى تلك المشاعر التي أثارها وخلفها ذالك الحلم ..
رشيد الموذن
المغرب
التعليقات مغلقة.