التُفاحة …بقلم نوال احمد رمضان
ينصرفُ من عملِه شاردَالذهْن، مُهرولًا إلى بيتِه، تُناولُه زوجتُه حافظةَ الطعامِ فيركضُ؛ أملًا أَنْ يصلَ قبل الأذانِ -يأبي قلبُه أَنْ تتناولَ إفطارَها من المشفى- يبتسمُ لها، يُقبلُ رأسَها، يناولُها الطعامَ، يدسُ فِى يدِها بعضَ المالِ ويلهثُ عائدًا إلى أسرتِه التى تنتظرُه بشغف… يُصلي بهم ويلتفون حوله لتناولِ الافطارِ فالطعامُ لَا يحلو إلا معهُ، يُغادرُ المنزلَ مُنهكَ القوى ليلحق بعملِه الثانى، تطحنُه رحى الحياةِ راضيًا حامدًا شاكرًا .
كالملائكةِ هو: طيبُ القلبِ، أبيّ النفسِ، للنوالِ دائمًا سباقًا… كُلما أتاها دعتْ لهُ بالبركةِ والسعادةِ وراحةِ البالِ وجبرِ الخاطرِ وطولِ العمرِ و ترجوه: ” استرِح يومًا واحدًا “
يُربت على كتفِها ويُردد فِى حنو : ” ارتاح! الأكل يتبلع ازاى يا حبيبتى ؟ “
تضحك وهى تضمُه إلى قلبِها: “ربنا ما يحرمنى من حنيتك ياغالى “
تمرُ السنواتُ وفى صباحِ يوم رمضانى قائظِ الحرارةِ تُهاجمُها نوبةٌ قلبيةٌ؛ يلهثون بها إلى المشفى، تمر الساعات فى كرٍ وفرٍ وينطلقُ مدفعُ الإفطارِ ويدوي الآذانُ فى الآفاقِ: ” اللهُ اكبرُ “
تتجولُ بنظراتِها باحثةً عنه: ” أَلم يُخبرُه أحدٌ بما ألَم بى ؟ ! “… تصوبُ نظراتٍ ٱملةً نحو البابِ، تراه قادمًا، يهرولُ إليها، باسطًا ذِراعيه، يبتسمُ لها يمدُ يدَه، يمسحُ دمعةً فَرَّت من عينيها: ” سلامة قلبك يا قلبي “
تُهللُ بفرحٍ: ” خُفت متجيش يا ابن عُمرى “
“ما اجيش! هو أَنَا أقدر يا بنت أُمى وأَبويا “
يُناولُها تفاحةً، تضعُ رأْسها على كتفِه وتُغمضُ عينيها، تشعرُ بالعافيةِ تسري في قلبِها وتفيقُ على صوتِ المُمرضةِ الخلوقِ : ” انتِ بخيرِ أطمئنى”
أشارت بسبابتِها نحو البابِ المُغلقِ، همَّت أن تسأل عنْه، ابتسمت وهى ترددُ: ” أهدانى حبيبى تفاحةً مِن الجنةِ “.
التعليقات مغلقة.