الثورة الإجتماعية من جمهورية شيخ العرب همام إلى كوميونة الشيخ الطيب أحمد
د. أحمد دبيان
لم يخضع المصريون على مدار تايخهم للظلم الذى كانوا يعانون منه كما حاول مؤرخوا السلطة دوما وتكرارا تصوير الأمر بأنهم شعب خانع خاضع ،يسهل قيادته .
كانت جمهورية شيخ العرب همام ، اول حكومة ومشروع مصرى يضاهى الجمهورية الفرنسية وما قبل ثورتها كما وصفها الشيخ رفاعة الطهطاوي ، واستطاع فيها شيخ العرب همام إقامة حكومة ودواوين وقام بتكوين جيش من الفلاحيين كما قام بتوزيع الاراضى الزراعية عليهم .
حاربه وقضى على حركته على بك الكبير والذى قام بدعم من الامبراطورية الروسية الحالمة دائماً بالنفاذ للمياة الدافئة ، بمحاولته الانفصالية عن الدولة العثمانية ، والتى انتهت بخيانة تلميذه محمد بك ابو الذهب .
بعد فشل الحملة الفرنسية وقيام الحملة الانجليزية التركية المشتركة بإعادة مصر للنفوذ العثمانى ، وبعد ثورات المصريين ضد الولاة الذين أتوا بعد رحيل الحملة الفرنسية ، وبعد تصميم المشايخ والأعيان على تعيين محمد على ( قبل ان يقوم بالانقلاب عليهم )
ظل الصعيد ولفترة مصدراً للقلاقل للوالى الألبانى .
كان القرن التاسع عشر وبعد المحاولة النابوليونية الامبراطورية لترسيخ تمدد الثورة الفرنسية ونفاذها الى الهند ثم إجهاض هذا التمدد على يد بريطانيا بعد هزيمته فى ووترلو قرن ترسيخ الإمبريالية الانجليزية الاقتصادية .
ورغم محاولة فرنسية دؤوبة للتمدد الثقافى الا ان الجولات كانت فى معظمها لصالح إنجلترا .
ورغم ان المشروع النهضوى لمحمد على قام على أكتاف السان سيمونيون ، الا أن مصر وبعد تحطيم الأسطول فى نوارين وبعد اتفاقية كوتاهية ،كانت ضمن البلاد التي سقطت فريسة للهيمنة الإمبراطورية الإنجليزية غير المباشرة، في مثال جلي على التبادل غير المتكافئ بين أحد المراكز الصناعية وبين دولة زراعية لافتة.
لقد بدأ وضع التبعية عندما أخضع البريطانيون محمد علي إلى الاتفاقية الأنجلو- تركية لحرية التجارة في عام 1838 وقد طبقت الأنظمة الحاكمة المختلفة من سلالة محمد علي هذه التبعية.
وقد استطاع فيها الأجانب وبقوانين تم صياغتها لمصالحهم ، ان يسيطروا على تجارة القطن .
كان لتطبيق الأنظمة الحاكمة لحرية التجارة أسوأ الأثر علي الصعيد، الذي تم نهبه والاستيلاء علي خيراته من قبل الإقطاعيين والأجانب، بل إن تأثيرات ما حدث في العالم وقتها مثل الحرب الأهلية الأمريكية 1861م-1865 ونضوب المصدر الأساسى للقطن الطويل التيلة كان له أبلغ الأثر أيضا حيث قام حكام مصر بزراعة القطن في الدلتا وتهميش الصعيد اقتصاديًا.
أصبحت الحبوب هى المصدر الأساسى للنشاط الاقتصادى للصعيد ، وكان الفلاحون يقبلون على بيعها للاجانب رغم احتياجهم لها ، لانها صارت المصدر الأساسى للنقد وقتها.
رغم هذا سيطر الإقطاعيون الجدد من الطبقة التى اقامها محمد على بعد تأميمه للاراضى الزراعية بموجب قانون الاحتكار لحساب ذاته وتوزيعها على قادة جيشه ومعاونيه والمنتفعين ، سيطر هؤلاء الإقطاعيون والأجانب على تجارة الحبوب فى الصعيد .
أشرفت محافظة قنا علي المجاعة بسبب النقص الحاد في الحبوب واحتكار الأجانب للحبوب وتصديرها لأوروبا.
وكما تؤكد زينب أبو المجد في دراستها إمبراطوريات متخيله لافتة الى ان الحبوب كانت هي المحصول النقدي الوحيد لدى الفلاحين و الذي يرتفع الطلب عليه في السوق العالمي بسعر معقول. لذلك كان الفلاحون يقدمون على بيع المحصول على الرغم من إحتياجهم الشديد إليه لتدبير نفقات قوتهم اليومى ولو إلى حين .
تتحدث الدكتورة زينب ابو المجد فى كتابها
Imagined empires
او إمبراطوريات متخيلة ، عن ثورة السلمية فى الصعيد والتى قام بها
الشيخ الطيب أحمد النقشبندي
فتقول: شهدت السليمية قبل ظهور الطيب ثورة والده أحمد عبيد وصهره الشيخ سلطان، التي جعلت والده يهرب لبغداد فى عام ١٨٢٠ ويترك ولده الطيب فى أسوان مع الشيخ إسماعيل بن تقادم ليتعلم الطريقة النقشبندية على يديه ويكون من ضمن خلفائها المشهورين فى كل ربوع الصعيد .
وتضيف لاحقاً : نشبت الثورة التي قادها الشيخ الطيب في عام ١٨٦٤ في قرية السليمية انضمت لها عشرة قرى في محافظتي قنا والأقصر حيث بلغ اتباعه حوالى اربعين الفاً وكان من ضمن القرى قرية قاو المختلف عليها في الوثائق والمرويات التاريخية والتي ذكرها الشيخ الطيب في أشعاره كثيرا حيث كانت من ضمن القرى التي دكتها مدافع الفريق إسماعيل أبوجبل الكردي الذى أرسله الخديوى إسماعيل لقمع الثورة ، ضمن قرى أخرى تم تدميرها بالكامل أدت إلى تشريد سكانها المتبقين في كل ربوع الصعيد ونجوعه المتطرفة خوفًا من التنكيل بهم.
تتابع الدكتورة زينب فى كتابها الشيق متحدثة :قاد الطيب الثورة في قرية السليمية ولجأ إلى الجبال منضما إلى “الفلاتية” – مطاريد الجبل – فى أماكن اختبائه، وكان أتباعه يزورونه هناك ليستمعوا إلى خطبة من الجبال حسث كان يلقى الطيب التعليمات على الثوار ويقوم بوضع الخطط الحربية لقتال الإقطاعيين والأجانب وقوات أبوجبل الكردى .
فى وقائع ثورة ١٨٦٤ التى قادها الشيخ الطيب أحمد بن أحمد عبيد مسعود من قرية السليمية التابعة لمركز أرمنت بمحافظة الاقصر حاليا، تبدو البريطانية الليدى لوسى داف جوردن التى عاشت فى الاقصر فى هذه الفترة الشاهدة الوحيدة عليها وعلى وقائعها التى امتدت لنحو عشرة قرى فى ربوع الصعيد المصري. كانت رسائل لوسى داف هى الوثيقة التاريخية الوحيدة للثورة التى تم وصفها بأنها ثورة شيوعية واشتراكية والتى اتخذت شعار الفأس الذى حمله الفلاحون وكان أداة لتعذيبهم من قبل السلطة التى قمعت أحداث الثورة بدموية عنيفة.
كان الحظ الحسن أن دونت الرحالة الإنجليزية ليدى داف جوردن التى كانت تقيم فى قنا للتعافى من داء ألم بها، شهادتها حول ما رأته من أحداث التمرد.
تؤرخ الوثائق التاريخية لثورة الطيب أحمد فى عصر الخديوى إسماعيل أنها نشبت بعد ثورة أبيه الأولى بـأربعين سنة والتى نشبت فى عهد محمد على باشا.
تلك الثورة التى كانت أشبه بتمرد عنيف ضد سياسات الوالى محمد على باشا فى سياساته للاستحواذ على الأراضى الزراعية وقانون التجنيد وهو التمرد الذى وصفه مؤرخ السلطة على مبارك فى الخطط التوفيقية فى الصفحة ١١٦ حيث كتب على باشا مبارك ” وقد ظهر من هذه القرية (السليمية) فى سنة ست وثلاثين ومائتين وألف رجل اسمه الشيخ أحمد، يدعى الصلاح، وأقام بناحية حجارة من بلاد قفط واجتمعت عليه الناس وصار يعطيهم بعض العهود، وكثر أتباعه حتى بلغوا نحو أربعين ألفا على ما قيل، فاغتر بذلك وأظهر الخروج على الحكومة ورتب من أتباعه حكاما كحكام الديوان، وضرب على البلاد الجرائم ونهب الأموال وما فى الأشوان من غلال الميرى وما عند الصيارف من النقود، وأكثر من الإفساد برا وبحرا وخافته البلاد والحكام.والاهم انه قام بالاستيلاء على أراضى الاقطاعيين وتوزيعها على الفلاحين.
الدكتورة زينب فى دراستها تؤكد أنه بعد اختباء الطيب فى الجبال، قام الباشا بمصادرة كل ممتلكات الثائرين، وعاون شيخ القرية الحكومة المركزية بالقاهرة في القبض على المتمردين وكان ذلك بعد عام من نشوب الثورة في عام 1865م وتم قتل أربعين ألفا بتهشيم رؤوسهم بالفؤوس التي قاموا برفعها فيما عرف بعدها بثورة الفئوس التى حرص على إخفائها مؤرخو الأسرة العلوية لأنها تفضح البشاعة والقمع والإنتهاكات التى لا حصر لها والتى سيطروا بها على البلاد والعباد.
التعليقات مغلقة.