الجزء الثاني من الحلقة الخامسة من آلهة مصرية قديمة بقلم : سيد جعيتم
معركة الآلهة
تم تصوير المنافسة بين (حورس وست ) في نصوص الأهرام وهذه النصوص هي أول مصدر للأسطورة.
شب (حورس) وأصبح فتى وأعلن تحديه لعمه ( ست) لاسترداد عرش أبيه، جعلت بعض النصوص من (حورس وست) أخوة، وقد أتسمت المنافسة بينهما في الغالب بالعنف والغرابة والشذوذ في أحداثها وطول فترة الصراع التي امتدت لثمانين عامًا، وعقدت آلهة التاسوع المقدس محاكمة شرعية لتقرير من له الأحقية في وراثة المُلك، وترأس المحاكمة القاضي الإله (جب) بوصفه والد (أوزوريس و ست) وجد (حورس) وفي بعض النصوص كان القاضي أحد إلهي الخلق (رع أو آتوم) منشئي النظام الملكي وشاركت آلهة أخرى كمحلفين أو للتقريب بين المتخاصمين
وقد قام بهذا الدور ( تحوت) وفي كتاب (الصراعات) استخدمت (إيزيس) ذكائها وقواها السحرية في مساعدة ابنها.
يصف كتاب الصراعات الإلهين وكل منهما يستغيث بالآلهة الأخرى ليستميلها إلى جانبه، وهما يتنافسان في مختلف أنواع المسابقات منها سباق القوارب على صفحة الإله (حابي/ إله النهر ) أو مصارعة بعضهم البعض متخذين صورة أفراس النهر، يهزم (حورس) (ست) مرارًا وتكرارًا، ويساعده في ذلك معظم الآلهة إلا أن القاضي (الإله الخالق) كان يحابي ست كما ورد في بعض نصوص الطقوس الحديثة. حاولت (إيزيس) طعن (ست) بالحربة أثناء اشتباكه مع ابنها في قتال، لكنها تطعن(حورس) بالخطأ، فيغضب بشدة وفي نوبة الغضب يقطع رأسها، ويستبدل ( تحوت) رأس ( إيزيس) برأس بقرة، وبهذاتعطي هذه القصة أصلًا يرجع إليه سبب ارتداء إيزيس رداءً مرسومًا عليه رأس بقرة بقرون، ويبرر (ست) في بعض المصادر اعتداءه المستمر بعد ذلك على (حورس) بأنه عقاب له على العنف الذي وجهه لأمه، ومن أعجب النصوص أنه في حلقة أساسية وشاذة من الصراع، يعتدي (ست) على (حورس) جنسيًا ليحط من قدره، كما ورد بورق بردي غير مكتمل عثر عليه يعود للدولة الحديثة، يبدأ الالتقاء الجنسي عندما يطلب (ست) أن يمارس الجنس مع (حورس) الذي يبدوا أنه قد فقد قوته بالسحر فيوافق على هذا شريطة أن يعيد (ست) إليه بعضًا من قوته، يعرض هذا الالتقاء حورس للخطر لأن الحيوان المنوي في الأساطير المصرية مادة قوية وخطيرة مماثلة للسُم، طبقًا لبعض النصوص، يخترق الحيوان المنوي لت (ست) جسد (حورس) ويتسبب في مرضه، لكن في كتاب الصراعات يُحبِط (حورس) مكيدة (ست) بإمساكه لحيواناته المنوية في يده، وتثأر (إيزيس) لذلك بوضع الحيوان المنوي لـ (حورس) في الخس الذي يأكله (ست)، تتضح هزيمة (ست) عندما يظهر هذا الحيوان المنوي على ناصيته في صورة قرص ذهبي، فهذا يدل على أنه تخصب نتيجة البذر الذي بذره فيه خصمه ونتيجة لذلك وَلد هذا القرص وفي كتاب الصراعات، يأخذ تحوت القرص ويضعه على رأسه، أما في النسخ الأقدم من القصة، فتحوت نفسه هو نتاج هذه الولادة الشاذة.
وفي الصراع أحدث كل من المتصارعين إصابات ببعضهما؛ فـ (حورس) يصيب خصيتي (ست) أو يسرقهما فيفقد فحولته، في حين يُتلف (ست) أو يقتلع إحدى عيني (حورس) أو كليهما، وتمثل عين (حورس)المسروقة العديد من المفاهيم في الديانة المصرية القديمة فكون (حورس) إلهًا للسماء فعينه اليمنى هي الشمس واليسرى هي القمر، وعليه، تعادل سرقة أو إتلاف عيني (حورس) إظلام القمر خلال مراحله المختلفة، أو أثناء الخسوف، /يقوم (حورس) باسترجاع عينه المفقودة، بمساعدة الآلهة الأخرى بما فيها (أيزيس وتحوت وحتحور) يرجح عالم المصريات هيرمان تي فيلدي أن قصة الخصيتين المفقودتين هو تحريف مؤخر لفقدان (ست) لحيوانه المنوي على حورس، وأن القرص قمري الشكل الذي تواجد على جبهة (ست )بعد الإخصاب هو ذاته عين (حورس)، وإن كان هذا صحيحًا، فالجزء المتعلق بالإصابات والاعتداء الجنسي يشكل قصة على حدة يقوم فيها (ست) بالاعتداء على حورس وتضييع حيواناته المنوية عليه، ثم يثأر (حورس) ويخصّب (ست)، ويحصل (ست )على عين (حورس) عندما تظهر على جبهة (ست)، ولأن (تحوت) هو إله القمر بجانب وظائفه الأخرى، من المعقول، طبقًا لرؤيةتي فيلدي، أن ينتج تحوت في صورة العين ويحاول التدخل لتسوية الخلاف بين الإلهين المتناحرين.
نهاية الأسطورة
في النهاية ، يتقاسم (حورس و ست) المملكة بينهما، ويكون نصيب (حورس) حكم الأرض الخصبة حول النيل ويسكن الأرض، و نصيب (ست) حكم الصحراء الجرداء أو الأراضي الأجنبية المتصلة بها ويسكن السماء ، لكن في تمثيلية منف، يقسم القاضي)(جب ) المملكة بين المطالبين بها، ثم يرجع بعد ذلك في قراره تاركًا التحكم المطلق لـ (حورس) وفي هذا الاتحاد السلمي، يتصالح (حورس وست)، وتتحول الازدواجية بينهما إلى مجموع متحد ويعود النظام بعد الصراع العاصف، وفي رواية أخرى تنتهي القصة بانتصار (حورس) وتعرض (ست) للهزيمة التامة، وأحيانًا يُنفى من مصر أو يصل الأمر إلى أن يتم القضاء عليه.
يتولى (حورس) العرش وسط احتفال بين الآلهة، و يحكم مصر و يؤدي مراسم جنازة أبيه بعد الأخذ بثأره ويقدم قرابين من الطعام، وغالبًا ما تضمنت القرابين عين (حورس) التي تمثل الحياة والفيض، و يحيا (أوزوريس) في الآخرة ملكًا للموتى وينشغل بالدورات الطبيعية للموت والبعث، مثل النمو السنوي للمحاصيل، الذي يناظر عملية إحيائه.
انتظروني مع الجزء الثالث من الحلقة الخامسة لنلقي الضوء على خصائص باقي الآلهة المشاركة في الملحمة ونبدأها بـ ( إزيس).
التعليقات مغلقة.