الحصالة قصة قصيرة بقلم .. هالة علي أبو الدهب
دقت الساعة الثالثة صباحاً، أتاه صوت دقاتها عبر الراديو الصغير الذي يجاور فراش جدته.
استرق السمع في سكون الليل الذي يلف قريته الصغيرة
التي اتشحت بغمامة من الضباب، إنها إحدى ليالي الشتاء
الباردة التي تجعل الدم يتجمد في العروق.
صوت الماء، الذي سخنته جدته فوق موقد الغاز الصغير
لتُذهب حرارة الموقد بعضاً من برودته، يجعلُ القشعريرة تسري في جسده تحت غطائه الرقيق نوعا ما.
يفطر قلبه نشيجها وهي تغالب دمعاتها حتى لا يسمعها.
لا تعلم أنه يستيقظ معها ويتابع طقوسها قبل وبعد الصلاة.
سمعها تُتَمْتم وهي تتهيأ لصلاة الفجر.
يحمل إليه الهواء رائحة خمارها الذي تعطره برائحة زكية
أتتها هدية من جارتهم عند عودتها من العمرة.
تستقبل القبلة وتصلي ، يخال إليه حينها أن هناك هالة من
النور تحيط برأسها وأن وجهها يتألق فيُضيء العتمة حولها.
تُصلي وتنهي صلاتها بالدعاء، يُشجيه سماع صوت دعائها
وهي تتوسل إلى الله بحبيبه صلى الله عليه وسلم
وبأسمائه الحسنى وتخص كل اسم بدعاء ثم تستلقي
فوق المصلية منكمشة من البرد، مُتوسِّدة كفها الأيمن
تحت خدها متوجهة بوجهها قِبَل القبلة وتضع بجوارها
سبحتها (نور الصباح) التي تُضئ في الظلام لتروح
في غفوة تقوم منها في ميعاد محدد، ميعاد إيقاظه
للذهاب الى المدرسة.
اقترب عيد الأم واستعد أصدقاؤه لشراء هدايا لأمهاتهم
وحزن كثيرا لأنه لا يملك ما يشتري به هدية لجدته، رقة
حالهم لا تسمح بمصروف له.
كان يسمع أصدقاءه وهم يتحدثون عن عيد الأم وما
يدخرونه لشراء الهدايا فيبكي قلبه قبل عيناه
فليس لديه المقدرة على شراء هدية لجدته.
كلما اقترب موعد الاحتفال بعيد الأم كان يزداد حزناً
وعندما يسأله أصدقاؤه عن هديته يُريهم حصالته الورقية
التي يوفر فيها مبلغاً لشراء الهدية.
في صباح عيد الأم قدم لجدته حصالته ملفوفة في ورق هدايا.
فتحتها لتجد بداخل الحصالة قُصاصات ورق صغيرة
مكتوب على كل ورقة دعاء.
اللهم احفظ جدتي، اللهم اشف جدتي، وغيرها الكثير من
الأدعية الجميلة التي استدرت الدمع من عينيها
فاحتضنته ونظرت لوجهه فرأت وجه امه، رحمها الله
يُطالعها بعينين باسمتين.
التعليقات مغلقة.