موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

الدراما اليمنية .. النضوج الجاد بقلم عبد العزيز الهاشمي

206

على المستوى الشخصي أنا لست من عشاق الدراما لَو حَصَرنا ذلك في إطار المشاهَدة، بل من عشاقها في إطار التقييم والتصنيف .. أنا أميل إلى الدراما التاريخية الملتزمة بالوقائع وبالشرائع، نضيف إليها الدراما الاجتماعية الهادفة المدَّثرة بدثار الأعراف والتقاليد، النابعة من الفطرة السوية الخالية من الابتذال في المظهر والجوهر .. كل ذلك مرهون بالحبكة الدرامية الجادة والمدروسة، ودون تكلف أو صناعة إثارة وشد المشاهد من لا شيء، بل الأحداث المدهشة هل التي تجعل المشاهد متحفزًا إلى معرفة الآتي بشغف.
في هذا العام 2024م حدثت طفرةٌ درامية جادة لم تكن في البال مثلما كانت من قبل .. وقد حَصَرْتُ لكم أهمها، فأنا لم أتابعها جميعها متابعة المشاهِد، بل متابعة الناقد، سوى أحدها وهو ما سأقيمه لاحقًا، وهذه المسلسلات هي (7) مسلسلات في الآتي (حسب الترتيب الأبتثي)، ويلاحِظ القارئ أنها كلها عناوين من كلمتين فقط (مبتدأٌ محذوف وخَبَرُ جملةٍ ظاهر):
1- (ثروة أبي) على قناة (عدن)، للمخرج/ جمال معوضه.
2- (خروج نهائي) على قناة (المهرية)، للمخرج الزميل/ محمد الربع.
3- (دروب المرجلة) على قناة (السعيدة)، للمخرج/ وليد العلفي.
4- (قرية الوعل) على قناة (الجمهورية)، للمخرج المصري/ معتز حسام – Moataz Hossam.
5- (لقمة حلال) على قناة (السعيدة)، للمخرج الزميل/ محمد فاروق الغصيني.
6- (ماء الذهب) على موقع (تَلْفِز) وقناة (المهرية)، للمخرج/ هاشم حمود هاشم – Hashim H. Hashim.
7- (ممر آمن) على قناتَي (يمن شباب) و(العربي2)، للمخرج الزميل/ ياسر الظاهري.

أولاً: المسلسل الكوميدي (ثروة أبي): مسلسل كوميدي اجتماعي محتشم، يتحدث عن ثروة طائلة تئول إلى الورثة الثلاثة؛ ولكنها لا تصل إليهم، والوصول إلى هذه الثروة مرهون بتنفيذ الوصية المشفرة بأحجية سرية. أنا لم أشاهد المسلسل كاملاً، بل شاهدتُ لقطات منه، وأعجبني منها أداء الزميلة/ فريال يوسف خان – Feryal Khan (هدى)، ولأول مرة أكتشف فيها الحس الفكاهي غير المبتذَل، هنا أقول: أن لهذه الفتاة المتألقة وزن درامي في الكوميديا إضافة إلى التراجيديا الاجتماعية إذا ما وُظِّفت جيدًا، واختارت هي أدوارها بعناية.

ثانيًا: المسلسل الكوميدي (خروج نهائي): مسلسل درامي كوميدي، متعدد المواضيع في إطار كاراكترات ثابتة، يتحدث كذلك عن ثلاثة أشخاص من ثلاث جنسيات يمنية وسعودية ومصرية، ضَلَّت بهم الطريق بين دولتين، فظَلَّت رحلتهم نحو الخروج مستمرة، وهنا تكونت أثناء هذه الرحلة قصصٌ وحكايات في قالَب كوميدي صرف. لم أشاهده كاملاً، بل شاهدتُ لقطات منه، ولفتَ انتباهي ذلك الكم الدسم من الأفيهات والفكاهات غير التقليدية في الدراما اليمنية، حتى أن الفنانين أنفسهم لم نعهد منهم هذا الانضباط في السيناريو والحوار وهو الأمر الذي لم نكن نلاحظه منهم أنفسهم عند ارتجالهم للحوارات الدرامية أثناء التصوير في أعمال سابقة، ويلاحِظ المشاهد ذلك الارتجال حينما يأتوننا بالكواليس وفيها إعادة التصوير للمشهد الواحد عدة مرات وبعدة حوارات وتعابير، وهنا أرفع القبعة للمخرج الزميل/ محمد الربع الذي لم يترك للارتجال مكانًا إلا ما كان خادمًا للنص وبدون تكلفٍ واستعراضٍ واستظراف، وهذا قد يكون نابعًا من عمله الإعلامي مقدمًا للبرامج ذات القالَب الكوميدي، وهو -كما نعلم – ممثل سابق في بداية مشواره على الشاشة الصغيرة قبل أن يكون مقدمًا لبرامجه المختلفة. الزميل وجاري القديم الفنان/ ابراهيم بادي (ناشر) أبدع في أدائه على غير الشكل الذي كان عليه مع الفنان/ محمد الأضرعي، الذي كان عميدَ الارتجال المسرحي بامتياز مما جعل من حوله يصابون بعدوى الارتجال الانفعالي فيما لا يخدم الهدف من النص المراد توصيله أحيانًا، ولا ننسى ذلك التجانس بين اليمني والمصري والسعودي في الأداء الدرامي وبدون تكلف في إخراج الأفِّيه، وإن كنتُ أرى أن هذا الأمر ربما سيبدو جميلاً لو اختاروا للدور السعودي سعوديًّا مثل الزميل المحترم الفنان/ يحيى الغماري، رغم أداء الفنان/ عبدالكريم الشهاري (أبو راشد) دوره بإتقان، وإن كنت أشعر وهو يتحدث بأنه سيغير لكنته في أية لحظة أثناء الاستعجال في الحديث.

ثالثًا: المسلسل البدوي الحضري (دروب المرجلة): مسلسل من واقع ما نعيشه من انتكاسات في أمور عدة، حيث أصبح ذو القِوامة في مَقام صاحبة القَوام، والأخيرةُ صارت لها القِوامة والمقام، وهو يحكي قصة ولدٍ أرسله أبوه ميسورُ الحال أو بالأصح طَرَدَه من قصره إلى البادية أو تلك القرية البدوية ليتعلم الفروسية و(المرجلة) وحسن التخاطب مع الرجال؛ لأن الولد كان متفلتًا أو يبدو كذلك، ولم يكن بالولد الذي يعتمد عليه، حتى ساقته الأقدار إلى قرية بدوية، ويُحِب ويُحَب، في إطار تراجيدي مطعم بالأداء الكوميدي اللطيف الذي يمتاز به الزميل الفنان/ صلاح الوافي. هذا المسلسل لم أشاهده، ولكني انتقيت منه لقطات، استوقفتني، هنا أرفع القبعة للزميل المتألق دائمًا أخي الفنان/ صلاح الوافي (شاهين)، الذي أقنعنا وهو متفلت ضائع، وكأنه كذلك، رغم عدم تناسب سنه نوعًا ما مع ما يحدث له، إلا أنه أجاد تقمص الشخصية إلى حد بعيد، لتنضم إليه الزميلة المتألقة المنطلقة بسرعة الصاروخ إلى العالي من بعد مسلسل (العالية) الفنانة/ أشواق علي (رَشَّة)، هي بمثابة الحجر الأبيض في هذا المسلسل، الجميع يتمسح في جدار رضاها، والتي لم تتركه حتى عاد إلى والده الفنان محمد الحرازي (أبو شاهين) متلمسًا عفوه ورضاه، هذا المسلسل أحيي فيه المخرج المتألق/ وليد العلفي على تركيزه في التفاصيل الصغيرة ليخرج المسلسل بوجه أقرب إلى الحقيقة، وكذلك لا ننسى الفنان والمخرج زيدون العبيدي (شيخ القبيلة) الذي أعطى للدراما البدوية نكهة خاصة أضافت إلى المسلسل لمسات من الواقعية، وذلك بعد أن عادت له الكلمة في القرية البدوية.

رابعًا: المسلسل الفانتازي الأكشن (قرية الوعل): مسلسل تاريخي غامض مطعم بالعصرنة، أو هكذا يبدو للمشاهد بعد مشاهدة عدة حلقات، وهو يحكي قصة ملحمية في إحدى قرى اليمن النائية جدًّا عن العصرية، يحاول الاستيلاء على منجمها الذهبي بعضُ المتنفذين من سكان المناطق التي دخلتها التكنولوجيا نوعًا ما، فيتصدى لهم أهل قرية الوعل برئاسة شيختهم الشيخة/ مُعْجَبَة ومن حولها من الرجال والنساء، بكل بسالة رغم عمالة الداخل، المسلسل من إنتاج شركة النبيل للزميل المتألق/ خالد المروله ومن إخراج المخرج المصري الجميل/ معتز حسام، الذي أبدع ببراعته في إحداث طفرة إخراجية ملحمية يمنية مع كاست مصري رائع، رغم اختلاف الثقافات الملحمية والتقاليد الشعبية الخاصة باليمن، هذا إضافة إلى مكان التصوير في مصر، حيث انعدام الفولكلور اليمني الخاص، لولا مساعدة مؤسسة سبأ للثقافة والفنون برئاسة الفنان/ محمد سبأ والمتألقة/ منال المليكي – Manal Almliki، وغيرهما، في وضع لمسات يمنية على بعض الأبنية والطرقات والأزياء والحلي الشعبية، شاهدتُه من أول حلقة، وداومت على مشاهدته؛ لأنني من هواة المسلسلات التاريخية الجادة والملتزمة، ولأن به كمًّا هائلاً من زملائنا الفنانين الكبار والمشهود لهم بقوة الأداء، أمثال الزميل الفنان القدير/ نبيل حزام، والفنانين الكبار/ قاسم عمر، ود. عبد الله الكميم، ونجيبة عبدالله، و كمال طماح، ومنى الاصبحي، والفنان الوحش/ نبيل الآنسي، كما تسميه الفنانة/ منى الأصبحي، وأمثال الفنانين الزملاء: حسن الجماعي، ومروان الزرقه، ومحمد ابلان، وبشير العزيزي، وغيداء جمال، ومروى خالد – Marwa Khaled، وخالد البحري، ومنال المليكي، وملكة جمال العرب/ هبة الله الكينعي، وغيرهم. جذبني في أول الأمر، رغم حذف بعض المشاهد التي كانت من نصيب بعض الممثلين لظروفهم الخاصة التي منعت تواجدهم في اللوكيشن أثناء التصوير مما أدى إلى حذفها كما حدث مع ابنتنا الزميلة الفنانة صافي عبد الوهاب، ورغم أن الأزياء محاكية نوعًا ما لحال القرية المتأخرة تقدميًّا ولاسم القرية (الوعل)، مع أن بعضها حديثة جدًّا ربما بعضها لم ينزل في الأسواق من حداثة (تريند الموضة) التي لا ينقصها سوى (الْكَبَك) وهو الزرار المعدني الذي يوضع في كم الثوب؛ إلا أننا نتجاوزه لأننا أمام دراما فانتازية نوعًا ما، وكما قال المنتج/ خالد المرولة، تعد التجربة قفزة نحو التميز في الدراما اليمنية والعربية، في الربط بين الواقعية والفانتازية، ورغم كل ذلك إلا أنني حينما شاهدتُ أن أحد الأبطال يشرب عصير (الموز بالحليب) أثناء التصوير وليس في الكواليس، في مسلسل يخيل للمشاهد أنه يحكي قصة وقعت قبل مائة عام دون ربط بين أحداث العصرنة والقرية المتخلفة عصريًّا، فقلنا: ربما تكون فلتة درامية، ولكني حينما شاهدت الفنانة/ منال المليكي تتحدث من هاتف خَلَوي وهو الهاتف الذي بدأ التعامل به قبل الموبايلات وذلك في حدود محددة بشريحة معينة من المجتمع أو في طبقة وظيفية عسكرية ما، في قرية مهترئة بنيت قبل مائة عام أو هكذا تبدو، فيجيبها شخص من عصر 2024م، بدأتُ حينها أجمع ما تبعثر مني خلال التشتت الذهني بين الماضي وتكنولوجيا العصر، بين الخيل والموبايل، لغياب الحبكة الدرامية في رأيي بين الماضي والحاضر وبين القروي والمتحضر؛ لربط ذهن المشاهد بين العصرين من أول حلقة، أو هكذا يبدو لي، كما حدث مع مسلسل (دروب المرجلة) الذي ربط بين المدنية والبدوية، رغم اتساع هوة النقلة بين المكانين المتباينين مكانيًّا، ولا أقول زمانيًّا كما يخيل للمشاهد في (قرية الوعل)؛ ولكني قلت: ربما يكون في الأمر شيء ما درامي يشد الانتباه، وذلك لعدم الربط من الحلقة الأولى بين العصرين، ولكني حين اختلط علي الأمر وطسَّت عليَّ، ولم أعد أفهم الأحداث المتداخلة ولا مَن هُم أهل الشر ولا مَن هُم أهل الخير، وانقلب الأشرارُ أصحابَ الحق، والأخيارُ مجرمين، حينها توقفتُ عن المشاهدة، لا لأن المسلسل فيه خلل، فالمخرج/ معتز حسام يعلم جيدًا ما معنى فانتازيا، ومنطقة حضرية ومنطقة قروية متخلفة تكنولوجيًّا، ولا لأن المؤلف الكاتب/ محمد المليكي، لم يستطع أن يفرق الجن بعد أن جمعها كما يقال، فتاهت عليه الخاتمة، بل لأني أنا لستُ من هواة الدراما المُرَمَّزة إذا صح التعبير، ففي المسلسل حسب رأيي إسقاطات نحن لا نعلمها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قوة الكاتب ورؤيته الدرامية التي يريد أن يتفرد بها بين أقرانه، ولم يجتمع كل هؤلاء النجوم من فراغ، بل كانوا مطلعين على سيناريوهاتهم المكتوبة، ويعلمون أدوارهم بدقة، وإن كنتُ أرى أن بعض الشخصيات لو كانت في مكان فلان لكان أجمل وأصدق في التعبير، ولكن في المجمل الرواية رائعة.

خامسًا: المسلسل التراجيدي الحزين (لقمة حلال): يحكي قصة اللقمة الحلال التي ينبغي أن يبحث عنها كل فرد رغم صعوبة الحصول عليها في ظل هذه الأوضاع الراهنة التي يعيشها الإنسان اليمني، وهي من أهم القضايا المجتمعية داخل الأرض اليمنية وربما خارجها، حيث يطرح الحلول الممكنة للبحث عن هذه اللقمة الحلال وبالتالي إلى راحة البال، وأن اللقمة الحرام ليست إلا ضربًا من الوبال، يتخلل ذلك بعض المشاهد الكوميدية والرومنسية المحتشمة نوعًا ما، حفاظًا على التقاليد المجتمعية داخل المجتمع اليمني، فأكثرُ ما شدني إلى هذا المسلسل هو ذلك الالتزام بالحشمة حتى في اللقطة التي يكون فيها الزوج مع زوجته الافتراضية، فإن المخرج يحرص على أن تكون المرأة بشكل يتقبله ذوق المشاهد اليمني، وهذه وجهة نظر تحترم.
هنا وقفة إجلال وإكبار للمؤلف والمخرج الزميل المتألق حبيب القلب/ محمد فاروق، الذي لم أكن أتوقع أن يكون مسلسله ناجحًا إلى هذا الحد من الإقناع والإمتاع والواقعية والإبداعية على حد سواء، هذا المسلسل هو الوحيد الذي شاهدته من أول حلقة إلى نهاية حلقة، لقوة الشد والإثارة ولجمال الحشمة والالتزام بالقيم والأخلاقيات وعدم الابتذال والتكلف التي رأيتها خلال المسلسل، أبكانا حد التعاطف مع شخصيات حقيقية كان مظلومة في أدوارها، وكُره شخصيات حقيقية أخرى كانت ظالمة في أدوارها، وذلك من شدة التقمص من قبل الممثلين، وعلى رأسهم الزميل وأخي الغالي الفنان/ عبدالله يحيى ابراهيم، ووالده الفنان القدير عم يحيى ابراهيم (أبو غياث)، أما الفنانة/ سحر الاصبحي (أم غياث)، فقد أتقنت إلى حد كبير اللهجة الصنعانية، وأدت دور الأم ببراعة، مع الفنانة/ رويدا ربيح (أم سميرة) تلك التي أبكتنا حينما سمعت بوفاة ابنتها سميرة. أما الطفل الصغير/ بدر القحطاني (حبيب)، بدا وكأنه ابن عبد الله يحيى إبراهيم حقيقةً، لشدة تقمصه لدور التمسك بأبيه حد الإقناع، وقد أحسن الفنان/ عبد الله يحيى إبراهيم حينما اختاره ليقوم بهذا الدور، الفنان والمخرج القدير/ زيدون العبيدي (وليد) بطل مسلسل (دروب المرجلة) أيضًا، كان مِلْح المسلسل، إذا أضفى عليه لمسات أكشن مع صاحبه/ غياث. أما الفنان الجميل/ توفيق الماخذي فقد كان كوميديًّا مبكيًا في آن واحد، أما الفنان/ عصام القديمي، فقد أبدع إيما إبداع في رسم صورة التاجر الجشع، رغم أنه في سمت وجهه مناسب لدور الرجل الرزين العاقل الكاريزما المؤثرة في الآخرين بأخلاقهم ومعاملاتهم، وأنا أتنبأ له دورًا أرقى في كاراكتر يناسب سمته وكاريزماه، واصيل حزام (فهد)، وغسان بركات (أيسر)، كانا محورَي الإجرام المساعد، وقد أبدعا في الأداء، حتى أنني لم أتخيلهما في غير الإجرام، باستنثاء أصيل، فأنا أراه في دور الكاره للشر المرغم عليه، يجيد هذا الجانب، الفنان/ محمد القصاب (حاتم) أجاد دور الجشع شكلاً ومضمونًا حتى أنني وأنا أتابعه دعوت عليه، وقلت: أقصد الشخصية، أما النساء اللاتي ظهرن في المسلسل فأخص منهن: منى أسعد (نعمة)، فقد كانت تستحق دورًا أطول مما رأيناه، فهي متمكنة من أدائها، وقد أبكتنا بالفعل، وقد قالت في مقابلة لها أنها كانت تبكي حقيقةً، فنحن شعب يتفاعل مع المجتمع المكلوم بسهولة، شعب رقيق بطبعه، أما كاترينا السيد (حنين) هنا أقف بإعجاب عند أدائها الدور المتعدد بين الرومنسية والوقوف في مسافة واحدة بين الخير والشر، وكتمان الحق خوفًا من المجهول، وصراعها مع أخيها سوادي الكينعي (فوزي) الذي أبدع بشكل كبير في أدائه التلقائي وبدون تكلف، والذي أتوقع له مستقبل درامي متألق، الطفل/ محمد مجاهد (عبده) صوته حكاية وأداؤه أجمل. أما دور أسعد، رغم أن التقمص فيه كان مثاليًّا من قِبل الفنان/ عبد الله، وقد أداه ببراعه، إلا أن اللمسات التي كانت على وجه أسعد لتغيير ملامحه لم تكن بذلك الذي يجعل مَن حوله لا يشك فيه، فكيف لفهد أن يشك في أيسر لمجرد النظر في ساعته حينما كان ملثمًا ولم يتضح له أن أسعدًا ليس أسعد، هذه رؤية من المخرج قد يكون لها ما يبررها، وهي أن الغرض من هذا كله هو إيصال الفكرة، ففي علم الكتابة هناك مدرستان: مدرسة أسلوبية، ومدرسة فكرية، فالمدرسة الأسلوبية: تهتم بالتفاصيل الصغيرة حتى ولو لم تصل الفكرة بسهولة، والمدرسة الفكرية تهتم بالفكرة عمومًا حتى ولو تم التجاوز عن بعض التفاصيل الدقيقة في الأسلوبية، وقد يكون المخرج من رواد هذه المدرسة الفكرية الأخيرة.
المسلسل لا ننكر أن فيه لمسات أو لمحات هندية بعض الشيء، فالمصادفة في بعض المشاهد قد تكون مرةً أو مرتين، أما أن تتكرر مرات عديدة، فهذا فيه مَدٌّ للأحداث، فغيَّاث يُتَوِّهُه المخرجُ عن ابنه حبيب مرات عديدة؛ لأنه يريد لأحداث البحث أن تستمر، وهذا شيءٌ حَسَن أحيانًا، إلا أنني أقول أن في الأحداث الملحمية الاجتماعية بعض الإثارة المحدودة في إطار محدد لا يتجاوزه من حيث المكان والزمان والكيان، بمعنى أن الصعوبات التي قد يراها المشاهد ويريد لها مَخْرجًا يترك لها المُخْرِج متنفسًا وفسحةً من أمل ويجعل الباب مواربًا لعودة الحق إلى نصابه، ومن أبى العودة إلى الحق وإلى الفضيلة والأفضل قَتَلَه المخرجُ في آخر المسلسل، وقد سد المخرج كل الثغرات التي يتساءل عنها المشاهد، فقد كانت رواية المسلسل مأخوذة من قصص حقيقة، كما صرح بذلك المخرج الذي هو المؤلف نفسه، فكان لا بد أن يسد أي تساؤل حول كل تفصيلة.

سادسًا: المسلسل الخيالي والمغامراتي الغامض (ماء الذهب): الذي كان من المقرر أن يعرض عام 2023م لولا صعوبة إيجاد قناة ترعى بثه كاملاً؛ لأسباب لا نعلمها حتى اللحظة، وتم عرضه في هذا العام 2024م ضمن موقع شبكة (تَلْفِز)، ثم تم عرض ما تبقى منه على قناة المهرية، هذه القصة، تابعتُ بعض حلقاتها على اليوتيوب، وذلك لأنني أعرف كاتبَ السيناريو الصحفي والقاص والروائي القدير/ Wajdi Al-ahdal، الذي كان ينشر قصصه في الصحف والمجلات، حصل خلالها على عدد من الجوائز، وكذلك السيناريست المتألقة/ يسرى عباس، بجانب السيناريست/ محمد الأخشر، المسلسل كان قمة في الأداء الغامض المثير للتشويق ومعرفة التفاصيل اللاحقة، وفيه بعض الأكشنة التي كانت من نصيب فنان الأكشن/ عبد الله يحيى إبراهيم، المسلسل يحكي قصة غامضة مشوقة مليئة بالمغامرة الدرامية، لسبعة أشخاص بين نساء ورجال، لا يعرف بعضُهم بعضًا في الأغلب، يسافرون عبر حافلة، منهم من ينضم إليهم في وسط الطريق، ومنهم من ينضم إليهم بعد الوصول إلى قرية الغموض، وبعضهم متخصصون في التاريخ اليمني وتراثه، وخلال المسلسل يتبين أنهم في موقع يسيطر عليه خلق آخر وهم الجن، وأنهم أمام بعض الآثار اليمنية التي يحاول البعض تهريبها إلى الخارج دون جدوى، فيتبين مدى خطورة ذلك، وبسبب محاولة تهريب بعض الآثار تنشأ بينهم ملحمة بين الأخيار والأشرار، الأمر الذي يقود إلى أن أحدهم يتبين أنه كان هو سر مفتاح هذه اللقاء، وأن بيده الخروج من القرية إلى بر الأمان، وأنه يرفض مغادرتهم باب القرية، فيتبين أنهم أمام بحث عن سر خفي. المسلسل غامض ومثير، وقد أبدع فيه الفنان القدير/ نبيل حزام الذي جمع بين كونه لا يعلم شيئًا إلى كونه لديه أسرار كل شيء، أما الفنان الأكشن المتألق/ عبد الله يحيى إبراهيم فقد أضاف إلى المسلسل الطابع الملحمي الذي يشد المشاهد لرؤية المنتصر في كل معركة يخوضها مع غيره، الفنان الكبير/ يحيى إبراهيم، أبدع إلى حد كبير في تقمص دور الأعمى، ويبدو أنه كان على عينيه عدسات بيضاء لاصقة ليبدو أكثر واقعية، رغم أنه سيبدع بدون عدسات، أما الفنان الجميل/ محمود خليل ، فقط أضفى على المسلسل شيئًا من الكوميديا الساخرة، لتلطيف الأجواء المشحونة بالتوتر، المخرج/ هاشم حمود هاشم، أبدع بما لا يدع مجالاً للشك في ربط الأحداث بعضها ببعض، وبحبس الأنفاس، وبمد أمد إظهار الحقيقة إلى الحلقات الأخيرة من المسلسل، إلا أن المد أو بالأصح المَط جعل من المسلسل يبدو وكأنه يريد المخرج أن يجعله 30 حلقة (بالصميل)، بمعنى أن المسلسل بإمكانه أن يكون فيلمًا أو عدة أفلام في عدد من الأجزاء. ولكن للأمانة هذا المد لم يخل بجمال المسلسل بل زاده تشويقًا. وبالمناسبة فقد استحدث هذا المسلسل خطًّا جديدًا أعجبني جدًّا أسماه خط (ماء الذهب)، وهو خط لم يسبق إليه من قبلُ أحد، وقد استخدمته في أعمالي البحثية للزملاء الباحثين، نشرت به اسمي في منشور سابق.

سابعًا: المسلسل الاجتماعي الأكشن التراجيدي نوعًا ما (ممر آمن): يتحدث المسلسل عن بعض المشاكل المجتمعية التي تحدث بين أفراد المجتمع اليمني، ومدى الوصول إلى حلول جذرية لهذه المشكلات، وذلك لتنازل الجميع عن بعض الطموحات للوصول إلى نقطة لقاء مشتركة لاتحاد الجميع على كلمة سواء والمضي معًا قدمًا نحو الهدف الأسمى وهو بناء الوطن، كل في مجاله وتخصصه، أبدع الزميل المخرج/ ياسر الظاهري في هذه الملحمة، وجعل منها حديثَ الساعة من حيث الأداء والتركيز على الانفعالات الدقيقة لدى الممثل ليخرج أكثر واقعية، والحبكة الدرامية التي سدت كل التساؤلات حول كل الثغرات التي قد يسأل عنها المشاهد، الفنان/ حسن الجماعي أثار الناس عليه بسبب تلك اللقطة المحزنة التي صوب فيها الرصاصة إلى قلب الضحية، مما جعل المشاهد تبغض شخصيته في المسلسل، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قوة الأداء والتمكن من التقمص وتركيز المخرج على التفاصيل الصغيرة، عامر البوصي كان متميزًا هذا العام، إذ خَرَج من عباءة الكوميديا وخَلَع جلد الإضحاك، وجَعَل من نفسه شخصية أخرى مغايرة.

بالطبع هناك العديد من المسلسلات التي لا يمكن إغفالها واكتفينا بذكر أبرزها.
وفي الأخير: يرى المشاهد أن أغلب المسلسلات تُصَدِّر التتر بكلام مفاده أن أحداث المسلسل وشخصياته لا تمت إلى الواقع بصلة، وهذا فيه انزياحة إلى مربع التفكير خارج الصندوق، وقد صَرَّح أحد المخرجين بقول مفاده: أن بعض العميقين يمتنعون، فليس في الأحداث أي عمق .. والحقيقة ومما لاحظته أن هناك إسقاطات وأعماق وليس عمقًا واحدًا، سواء كان من حيث السيناريو أم من حيث القناة التي تتولى البث، هذا رأيي الشخصي ولا أفرضه على أحد.
ولكن في المجمل: وشهادة حق أقول: الدراما اليمنية أراها تشق طريقها باحترافية نحو العالمية إذا تم التوظيف السليم نحو الأفضل، فنحن أمام نضوج واضح وجاد، وإن كان متأخرًا، بعد مراهقة درامية ارتجالية صرفة، فالمشاهد اليمني في أمس الحاجة إلى تلمس قضاياه بجدية بعيدًا عن الإسفاف والإيديلوجيات التي لا تخدم إلا شيوخ الطوائف.

ودمتم بخير، وكل عام وأنتم بخير.

عبد العزيز الهاشمي
رئيس منتدى الهاشمي الثقافي

التعليقات مغلقة.