الدرس الأول … بقلم صديقة صديق علي
لأول مرة أحظى بأشيائي الخاصة ملعقتي، صحني، كوبي، فرشاة أسناني، حقيبة سفر صغيرة كتب عليها اسمي، حتى ثيابي لأول مرة تكون لي وحدي، فضيق الحال وتقاربنا بالسن أنا وأخواتي جعلا ثيابنا مشتركة ،لأول مرة سأغادر أهلي، و كان ذلك كفيلاً لخلق القلق والتوتر لطفلة في الصف الخامس ابتدائي. وأذكر يومها مرّ الليل وعيناي تنتظران الصباح ،وخيالي يرسم آلاف الصور عن الأيام القادمة .
اجتمعنا في باحة المدرسة الترابيّة،غير المسوّرة، نظرت إلى الوجوه وقد غمرتها السعادة ،لم أر فيها أثراً لما يشغلني فتبدد قلقي .
بعد انتظار طويل خرج المدير، ليخبرنا بأن ادارة المعسكر امتنعت عن ارسال الحافلات، وذلك لأننا لم نجمع أزهار الزيزفون المطلوبة ..لذلك علينا الإنطلاق إلى الحقول وتنفيذ الأوامر حسب تعبيره ،
انطلقت وصديقاتي إلى درب تكلله أغصان الزيزفون. كنت قد خبرته من قبل، ركضنا اليه وغرقنا برائحته.
انتشر الطلاب في الحقول ولم يكتشف أحد مخبأ العطر الذي عثرنا عليه.
إلا امرأة وخروفها الوديع، يرعى بالقرب منا، كانت قد تعجبت لانتشار الأطفال في الحقول فأتت تسألنا ما الأمر؟ ..وعندما اخبرناها ضحكت،و شرعت تغني …ـ(عالا دلعونا عالا دلعونا بتزهر ما بتثمر يا زيزافونا ..)ولازال صوتها معجونا بعبق الزيزفون في ذاكرتي .
كانت الأكياس الورقية مختلفة الأحجام تتكدس على طاولة المدير، وهو يثني علينا ،ويطلب منا الصعود اإلى الحافلات ..ويوعدنا بأطيب شاي سنتاوله مع الزيزفون. وكنت لأول مرة أسمع بشاي الزيزفون .
كل صباح في المعسكر انتظر أزهار الزيزفون التي جنيناها وأدمينا أصابعنا من أجلها .خاب انتظاري فلا زهر ولا عطر بل كنا نتناول شاياً مثل القطر وكنت أسأل رفيقاتي اللواتي قدمن من مدارس اخرى: هل جنيتن مثلنا الأزهار ؟ و يستغربن سؤالي ومنهن لم تسمع بالزيزفون من قبل. و لا زلت أذكر صدى قهقهة المدرّبة، ترددها غابة بجوار خيامنا، وأنا أخبرها عما وعدنا المدير به …وما أن استطاعت أن تفلت من ضحكتها حتى قالت مستنكرة ..(ادارة المعسكر ما طلبت أزهار .. تعيشو وتاكلو غيرها)
مضت أيام المعسكر الجميلة ،وروحي متشربة بالزيزفون …والخيبة،وعقلي يردد أغاني وطنية، كنت أحفظها من أول مرة.
/17/3/2019
التعليقات مغلقة.