الدكرورى يتكلم عن أم المؤمنين حفصه بنت عمر
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عدي بن كعب بن لؤي وأُمُّها زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب ، وُلِدَتْ حفصة وقريش تبني البيت قبل مبعث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، بخمس سنين، وحفصة رضي الله عنها أكبر أولاد عمر بن الخطابرضى الله عنه ، وقد ورد أن حفصة أكبر من عبد الله بن عمر، وكان مولدها قبل الهجرة بثمانية عشر عامًا.
وتزوَّجت حفصة رضي الله عنها ، من خُنَيْس بن حذافة السهمي، وقد دخلا الإسلام معًا، ثم هاجر خُنَيْس إلى الحبشة في الهجرة الأولى، التي كانت مكوَّنة من اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، يرأسهم عثمان بن عفان ، ومعه السيدة رقيَّة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم هاجر خُنَيْس بن حُذافة مع السيدة حفصة رضي الله عنها إلى المدينة، وقد شهد مع رسول الله ، بدرًا، ولم يشهد من بني سهم بدرًا غيره، وقد تُوُفِّيَ متأثِّرًا بجروح أُصيب بها في بدر.
والسيده حفصه بنت عمر ، كان النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام قد تزوجها بعد انقضاء عدتها، من زوجها المهاجر خُنيس بن حذافة السهمي، الذي توفي من آثار جراحةٍ ، أصابته يوم أُحد، وكان رضي الله عنه من السابقين في الإسلام، وهاجر إلى أرض الحبشة ، فراراً بدينه، وعاد إلى المدينة، وهاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تأييداً له ونصراً، وهذا زوج حفصة السابق .
والحقيقة هذه الصحابية الجليلة، كانت زوجةً صالحة، ولا تنسوا أن الدنيا كلها متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة، التي إذا نظرت إليها سرَّتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك، ودودةٌ ستِّيرة، هكذا قال عنها النبى الكريم محمد عليه الصلاة والسلام ، فكانت حفصة زوجةٌ صالحةً للصحابي الجليل، وأن تكون الزوجة صالحة يكفيها هذا لدخول الجنة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام ، قال:
” انصرفي أيتها المرأة ، وأعلمي من وراءك من النساء ، أن حسن تبعل إحداكن لزوجها ، وطلبها مرضاته ، واتباعها موافقته ، يعدل ذلك كله ” والجهاد كما تعلمون ذروة سنام الإسلام، فالمرأة التي تتعهد أمر زوجها وأولادها ، هي امرأةٌ تستحق دخول الجنة، ودين المرأة يسير ، فإذا صلَّت خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، وحفظت نفسها، دخلت جنة ربها .
وسيدنا عمر تألَّم أشد الألم، لأن ابنته في ريعان الشباب وترمَّلت ، ولها عشرون عاماً ، وأوجعه أن يرى ملامح الترمُّل تغتال شبابها ، ولكن كان ينظر الى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم فالنبي أذاقه الله كل شيء، أذاقه تطليق بناته، أذاقه موت الولد، أذاقه الهجرة، فسيدنا عمر أذاقه الله ترمل ابنته، وأصبح يشعر بانقباضٍ في نفسه ، كلما رأى ابنته الشابة ، تعاني من عُزلة الترمل، لأن هذه المرأة وهذا الرجل صمما على الزواج، الزوج يسكن إلى زوجته، والزوجة تسكن إلى زوجها، يتألفان، يأنسان ببعضهما، فلذلك تألم سيدنا عمر، وهي التي كانت في حياة زوجها ، تنعُم بالسعادة الزوجية .
ومرت الأيام متتابعة ، وما من خاطبٍ لها، وهو غير عالمٍ بأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قد أخذت من اهتمامه، فأسر إلى أبي بكر الصديق أنه يريد أن يُخَطِّبَها، ولما تطاولت الأيام عليه، وعلى ابنته الشابة المترملة ، عرضها على أبي بكر، فلم يجبه بشيء، وعرضها على عثمان ، فقال: بدا لي اليوم ألا أتزوج، فوجد عليهما ، أي حمل عليهما بنفسه، وشكا حاله إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ، عرضت ابنتي على أبي بكر فرفض، وعلى عثمان فرفض .
فقال النبي الكريم: ” يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هو خيرٌ من حفصة ” وهو لا يدري ما يعنيه قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، ثم خطبها النبي عليه الصلاة والسلام، فزوجه عمر رضي الله عنه ابنته حفصة، ونال شرف مصاهرة النبي عليه الصلاة والسلام، وكان يرى أنه قد قارب المنزلة التي بلغها أبو بكر، أبو بكر زوجه ابنته، وعمر زوجه ابنته، وهذا شرف لا يدانيه شرف، أن الإنسان يكون صهرًا للنبي، أو يكون النبي صهره .
وتحققت فرحة عمر وابنته حفصة، وبارك الصحابة يد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، وهي تمتد لتكرِّم عمر بن الخطاب بشرف المصاهرة منه عليه الصلاة والسلام، ومسحت حفصة آلام الترمُّل، وجبر الله كسرها ، ويأتى دخول حفصة إلى منزل رسول الله ليتبين أن الغيرة غريزة ربانية فى قلب المرأة، فتستقبلها ضرتها سودة أحسن استقبال، وتحتار فى أمرها عائشة بنت أبى بكر، فهى تغار على زوجها وحبيبها محمد، ولم تعرف ماذا تفعل مع ابنة عمر بن الخطاب .
تمر الأيام وتتبادلان الود والحب، ويأتى جبريل عليه السلام ليؤكد لرسول الله أن زوجته حفصة من نساء الجنة ووصفها بـ”الصوامة القوامة”، لكن القدر شاء ليطلق رسول الله حفصة بعدما أفشت سرّا أمرها بكتمانه، لكن الله كرم حفصة بحفظها للقرآن وتلاوتها الجميلة وتدبرها لمعانى الآيات، فعلم والدها وأورثها المصحف الشريف الذى كُتب فى عهد أبى بكر الصديق، فحفظته حفصة وصانت الأمانة الغالية فى قلبها، قبل أن تحتفظ بها فى مكان أمين.
وقد اشتهرت السيدة حفصة رضي الله عنها بالغَيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بين زوجاته الأخريات، والغَيرة في المرأة أمر من الأمور الملازمة لطبيعتها وشخصيَّتها، خاصَّة إذا كانت لها في زوجها ضرائر، فكل واحدة منهن تريد أن تستحوذ عليه بحبِّها وعطفها وقربها، وأن يكون لها دون سواها ، لذا فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها: أن نساء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، كنَّ حزبين؛ حزب فيه: عائشة، وحفصة، وصفيَّة، وسودة، وحزب فيه: أُمُّ سلمة، وسائر أزواج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .
وقد جاء في سبب نزول قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) سورة التحريم ، هو أن مارية القبطيَّة المصريَّة أُمَّ ولد النبي إبراهيم، قد أصابها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في بيت السيدة حفصة ، وفي يومها، فوجَدت حفصة في نفسها، فقالت: يا رسول الله لقد جئتَ إليَّ بشيء ما جئتَه إلى أحد من أزواجك، في يومي وفي دوري وعلى فراشي.
فقال صلى الله عليه وسلم : “أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا فَلا أَقْرَبُهَا أَبَدًا؟” قالت حفصة رضي الله عنها: بلى. فحرَّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال: “لاَ تَذْكُرِي ذَلِكَ لأَحَدٍ”. فذكرته لعائشة رضي الله عنها فأظهره الله عليه، فأنزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) سورة التحريم .
ثم كفَّر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وأصاب مارية ، وقد كانت حفصة رضي الله عنها كسائر نساء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم تتقرَّب إليه بما يحبُّه ، وتسأله النفقة والمال، فعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه كان يريد أن يسأل عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، عن قول الله تعالى: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما ، لعمر بن الخطاب : فكنتُ أهابك.
فقال: سلني عمَّ شئتَ، فإنَّا لم نكن نعلم شيئًا حتى تعلَّمْنَا. فقلتُ: أخبرني عن قول الله عز وجل : ( تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ )، مَنْ هما؟ فقال: لا تسأل أحدًا أعلم بذلك منِّي، كنَّا بمكة لا يكلم أحدُنا امرأَتَه إنما هُنَّ خادم البيت، فإذا كان له حاجة سَفَع ، برجليها فقضى منها حاجته، فلمَّا قدمنا المدينة تعلَّمْنَ من نساء الأنصار، فجعلْنَ يكلِّمننا ويراجعننا، وإنِّي أَمَرْتُ غلمانًا لي ببعض الحاجة، فقالت امرأتي: بل اصنع كذا وكذا ، فقمتُ إليها بقضيب فضربتها به، فقالت: يا عجبًا لك يابن الخطاب تريد ألاَّ تكلّم! فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلِّمنه نساؤه.
فخرجتُ فدخلتُ على حفصة، فقلتُ: يا بنيَّة، انظري، لا تكلِّمي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء، ولا تسأليه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عنده دنانير ولا دراهم يعطيكهن، فما كانت لك من حاجة حتى دهن رأسك فسليني.
وعن عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحِبُّ الحَلوى والعَسل، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فَغِرْتُ، فسألتُ عن ذلك، فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عُكَّة عَسَل، فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة ، فقلتُ: أما والله لنحتالَنَّ له ، فقلتُ لسودة بنت زَمْعَةَ: إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي: أكلتَ مغَافير ؟
فإنه سيقول لك: “لاَ”. فقولي له: ما هذه الريح التي أجد؟ فإنه سيقول لك: “سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ”. فقولي: جَرَسَتْ ، نحلُه العُرفُطَ ، وسأقول ذلك، وقولي أنت له يا صفية ذلك. قالت: تقول سودة: والله ما هو إلاَّ أن قام على الباب، فأردتُ أن أباديه بما أمرتِنِي فرقًا منكِ. فلمَّا دنا منها، قالت له سودة: يا رسول الله، أكلتَ مغافير؟ قال: “لاَ”. قالت: فما هذه الريح التي أجد منكَ؟ قال: “سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ”. قالت: جَرَسَت نَحلُه العرفطَ. فلمَّا دار إليَّ قلتُ نحو ذلك، فلمَّا دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلمَّا دار إلى حفصة قالت له: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: “لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ”. قالت: تقول سودة: والله لقد حَرَمْنَاه. قلتُ لها: اسكتي .
وقد طَلَّقَ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم السيدة حفصة رضي الله عنها ، فلمَّا علم عمر بن الخطاب رضى الله عنه بطلاقها، حثى على رأسه التراب، وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعد اليوم ، فعن قيس بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلَّق حفصة بنت عمر تطليقة، فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون، فبكت وقالت: والله ما طلَّقني عن سبع ، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “قَالَ لِي جِبْرِيلُ: رَاجِعْ حَفْصَةَ ، فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ” .
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، لزمت السيدة حفصة رضي الله عنها بيتها، ولم تخرج منه إلاَّ لحاجة، وكانت هي وعائشة رضي الله عنهما ، يدًا واحدة، فلمَّا أرادت عائشة الخروج إلى البصرة، همَّت حفصة رضي الله عنها أن تخرج معها، وذلك بعد مقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه ، إلاَّ أن عبد الله بن عمر حال بينها وبين الخروج
وقد كانت رضي الله عنها بليغة فصيحة، قالت في مرض أبيها عمر بن الخطاب “يا أبتاه ما يحزنك؟ وفادتك على ربٍّ رحيم، ولا تبعة لأحد عندك، ومعي لك من البشارة لا أذيع السرَّ مرَّتين، ونعم الشفيع لك العدل، لم تَخْفَ على الله خشنة عيشتك، وعفاف نهمتك، وأخذك بأكظام المشركين والمفسدين في الأرض” .
وتوفيت رضي الله عنها ، في شهر شعبان سنة 45هـجريه ، على أرجح الروايات، فقد قيل: سنة سبع وعشرين للهجرة في خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه ، وإنما جاء اللَّبس ، لأنه قيل: إنها تُوُفِّيَتْ في العام الذي فُتحت فيه إفريقيَّة، وقد بدأ فتحها في عهد عثمان، ثم تَمَّ الفتح عام 45هـجريه ، والراجح أنها تُوُفِّيت عام 45هـجريه ، لأنها أرادت أن تخرج مع عائشة رضي الله عنها إلى البصرة بعد مقتل عثمان ، وكان ذلك في حدود عام 36هـجريه ، فرضي الله عنها وأرضاها.
التعليقات مغلقة.