الدكرورى يتكلم عن الصلاه
بقلم / محمــــد الدكـــرورى
إن الذنوب لهي أكبر معول لهدم الدين في النفوس ، وأعظم معين للأعداء ، ألا وإن من أعظم الذنوب والمعاصي التي عُصي الله بها في الأرض ما جاء على لسان ذلك اليهودي الذي قال ” إذا أراد المسلمون أن ينتصروا علينا فلا بد أن يكون حضورهم في صلاة الفجر مثل حضورهم في صلاة الجمعة ” .
فالصلاه هى فريضة ليست مرتبطة بموسم كالحج مثلا، أو الصوم في رمضان، ولا موقوفة على مناسبة ليست في العمر مرة ولا في العام مرة، لكنها في اليوم والليلة خمس مرات مفروضة على كل مسلم مكلف غني وفقير، صحيح ومريض، ذكر وأنثى، مسافر ومقيم، في الأمن والخوف، لا يستثنى منها مسلم مكلف، ما عدا الحائض والنفساء، والصلاة هي المفزع إذا حزب الأمر، وهي المستراح عند التعب .
ويقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ” من صلى الصلوات لوقتها ، وأسبغ لها وضوءَها، وأتمَّ لها قيامَها، وخشوعَها وركوعَها وسجودَها، خرجت وهي بيضاءُ مسفرة ، تقول حفظك الله كما حفظتني ، ومن صلاها لغير وقتها ، ولم يُسـبغ وضوءَهــــا ، ولم يُتمَّ لها خشوعَــهـا ولا ركوعَـــها ، ولا سجودَها خرجت وهي سوداءُ مظلمة تقول ضيَّعكَ الله كما ضيَّعتني ، حتى إذا كانت حيث شاء الله لُفَّتْ كما يُلفُّ الثوبُ الخَلِق، ثم ضُربَ بها وجهُهُ ” أي رُدت عليه صلاتُهُ ولا حول ولا قوة إلا بالله .
إنها قرة عيون المؤمنين، ومعراج المتقين، بل قبل ذلك وبعده قرة سيد الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة وأذكى التسليم ، وهي آخر ما أوصى به النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته، وهو على فراش الموت يحتضر مناديا “الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم“ وهى صلة بين العبد وربه، لذة ومناجاة تتقاصر دونها جميع الملذات، نور في الوجه والقلب، صلاح للبدن والروح، يطهر القلوب، تكفر السيئات، تنهى عن الفحشاء والمنكر .
والصلاة لم يرخص في تركها، لا في مرض، ولا في خوف، بل إنها لا تسقط حتى في أحرج الظروف، وأشد المواقف في حالات الفزع والقتال ، وهي ركن الدين وعموده؛ كما قال صلى الله عليه وسلم “لا دين لمن لا صلاة له“ ، ولصلاة عمود الإسلام وركنه، من أدى حقها، وأتم ركوعها وسجودها وخشوعها كانت قرة عينه، وحلاوة قلبه، وانشراح صدره، قال صلى الله عليه وسلم: “خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن، كان له عند الله عهدا أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة“ .
إنَّ أمرَ الصلاة عظيم ، وشأنها عند الله كبير، فهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وعليها يقومُ بناءُ الإسلام الشامخ ، فهي رافدُ الإيمان ، وغذاءُ الروح ، وصلة العبد بربه ، وهي سَكَنُ المؤمن ، وسلوةُ الحزين ، وقرَّةُ عين الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام ، الذي كان يقول لمؤذنه بلال رضي الله عنه “أرحنا بها يا بلال ” ويقول أيضا ” وجُعلت قرةُ عيني في الصلاة ” .
وجاء عنه عليه الصلاة والسلام في فضل الصلاة أنه قال ” الصلواتُ الخمس ، والجمعةُ إلى الجمعة ، كفارةٌ لما بينهن ما لم تُغْشَ الكبائر ” وقال أيضا ” ما من امرئٍ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيُحسِنُ وضوءَها، وخشوعَها، وركوعَها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم تُؤت كبيرة، وذلك الدهر كلَّه”.
والصلاة بابٌ مفتوحٌ إلى الجنة، وطريقٌ عظيم من طرق الجنة، فقد رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من عبدٍ يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويُخرجُ الزكاة، ويجتنبُ الكبائرَ السبع ، إلا فتِّحت له أبوابُ الجنة وقيل له أُدخل بسلام ” وقال أيضاً: “من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى صلاةٍ مكتوبة، فصلاها مع الإمام، غُفرَ له ذنْبُهُ” .
وإن الذنوبَ عظيمة، والأخطاء جسيمه ، والتقصير في جنب الله عز وجل قد رَكِبَنَا جميعاً، والتفريط في القيام بالواجبات لا يخفى ، وقد جعل الله سبحانه وتعالى في الصلاة ما يكفِّرُ ذلك، ويجبرُ النقصَ والتقصير، فقد رُوي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: “إن لله ملكاً ينادي عند كلِّ صلاة، يا بني آدم قوموا إلى نيرانِكُمُ التي أوقدتموها فأطفئوها “.
فكم من نيران المعاصي والآثام نوقد في كلِّ ساعة، وكم من نظرات الحرام نكتسبُ في كل لحظة، وكم من سماعٍ باطلٍ نلهو به في كل وقت، وكم من غيبةٍ ونميمة، وأكلٍ للأموال بالباطل نقترف في كل يوم، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه أصابَ من امرأةٍ قُبلة، فأنزل الله عز وجل ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ) فقال الرجل: أليَ هذا؟ فقال النبى الكريم : لجميع أمتي كلِّهم.
فهذا فضل الله، وهذه رحمته، فأين المذنبون، وأين المقصِّرون، وأين الشاردون عن الله، أما آن لهم أن يعودوا إلى ربهم، ويرجون رحمته ويخافون عذابه، فإن عذابَهُ لا شك واقع، ما له من دافع ، ولقد جاءت البشرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الصلاة في المساجد فقال عليه الصلاة والسلام ” بشِّر المشَّائين في الظُّلم إلى المساجد، بالنور التامِ يوم القيامة”.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً ” لن يلجَ النارَ أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها ، يعني الفجر والعصـر، وقال: ” إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يُخرجه إلا الصلاة، لم يخطُ خطوةً إلا رُفعت له بها درجة، وحُطَّ عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاهُ مالم يُحدث ” اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة”.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً ” من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله” ، فهذا فضل من الله عظيم، وأجرٌ كبير، فكيف يسوغ لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يفرِّط في هذا الثواب العظيم ، ولا يبالي بهذا الخير الكبير، ويستمر في عناده، وإهماله للصلاة، وخاصة صلاة الجماعة التي حذَّر عليه الصلاة والسلام من التفريط فيها فقال ” والذي نفسي بيده لقد هممتُ أن آمرَ بحطبٍ، فيُحتطب، ثم آمُرَ بالصلاة فيؤذَّنَ لها، ثم آمُرَ رجلاً فيؤُمَّ الناس، ثم أخالفَ إلى رجالٍ فأحرِّق عليهم بيوتَهُم ” .
التعليقات مغلقة.