الدكرورى يتكلم عن عكاشه بن محصن
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
عكاشة بن محصن الأسدي من مشاهير الصحابة، أسلم قبل الهجرة وهو من بني غنم، قوم من بني أسد سكنوا مكة كأحلاف لقريش ، وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم سبقك بها عكاشة ، وقد أعطاه الرسول في غزوة من الغزوات جريدة فهزها فكانت سيفاً ظل يقاتل به .
فهو عكاشة بن محصن بن حُرثان بن قيس بن مرة بن بُكير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي حليف بني عبد شمس من السابقين الأولين وشهد ” بدراً “، وقيل استشهد عكاشة في قتال أهل الردة، قتله طليحة بن خويلد .
وعُرف بين الناس باالشدة و الباس و بوفرة العقل وصدق الإحساس وصفاء السريرة، وكان معروفا بحسن الهيئة والجرأة والإقدام وكان من أجمل الرجال، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعكاشة ابن أربع وأربعين سنة ، وما أن بلغت مسامعه الدعوة إلى التوحيد والإسلام، حتى أشرقت نفسه بالإيمان، وانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن إسلامه.
ولقد أوذي كغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أذى كثيرا وكُذب أشد التكذيب، فما زاده ذلك إلا إيمانا وتسليما، وتمسكا بدينه تمسكا عظيما، ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ما ينزل بأصحابه من العذاب والبلاء أشار عليهم بالهجرة إلى المدينة، فكان عكاشة بن محصن ، من بين من هاجر إلى المدينة.
وما أن وصل إلى هناك حتى استنشق نسيم الأنس والرحمة والأمان لأول مرة منذ أسلم، وعاش في المدينة بين إخوانه من المهاجرين والأنصار أطيب عيش، وكان في أشد شوقه لخدمة دينه، والدفاع عن أمته ، وشهد بدرا وأحدا والخندق وأبلى بلاء حسنا، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على سرية (الغمر) في أربعين رجلا، فذهبوا فعلم القوم بمجيئه فهربوا، فرجع إلى المدينة وقد ساق مائتي بعير كانت لهم.
ويوم بدر قاتل بسيفه حتى انقطع في يده فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جدلا من حطب وقال:” قاتل بهذا يا عكاشة ” فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه فعاد سيفا في يده طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل به حتى فتح الله تعالى على المسلمين ، وكان ذلك السيف يسمى (العون) ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل في الردة وهو عنده، وقيل إنه لم يزل متوارثا عند آل عكاشة.
وبشره الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو على قيد الحياة، فقد سمع الرسول يبشره بدخوله الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من نوقش الحساب عذب “. قال سعيد بن جبير: حدثنا ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال: ” عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي يمر ومعه الثلاثة والاثنان، والنبي يمر ومعه الرجل الواحد، والنبي يمر وليس معه أحد، إلى أن رفع لي سواد عظيم فقلت: هذه أمتي. قيل: ليس بأمتك، هذا موسى وقومه.
إلى أن رفع لي سواد عظيم قد سد الافق، فقيل: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب” قال: ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم فخضنا في أولئك السبعين، وجعلنا نقول: من الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؟ أهم الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم أم هم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله شيئا؟
إلى أن خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا الذي كنتم تخوضون فيه ؟ قال: فأخبره، فقال: ” هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون ” فقام عكاشة بن محصن فقال: (أنا منهم يا رسول الله؟) قال: ” أنت منهم ” وقام رجل آخر من المهاجرين فقال: أنا منهم يا رسول الله؟ قال: “سبقك بها عكاشة”.
وكانت القيادة عند عكاشة بن محصن ، حيث أمّره الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على أكثر من سرية، وولاّه بعض ولاياته ، كسرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر، وسرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الجناب أرض عذرة وبلي ، ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن وأصحابه إلى الغمر، فخرج سريعًا يغذ السير، فلما رآه القوم من بني أسد هربوا فنزلوا علياء بلادهم ووجدوا دارهم خلوفًا .
فبعث عكاشة صاحبه شجاع بن وهب طليعةً فرأى أثر أنعام لهم، واختاروا رجلًا من القبيلة ليرشدهم مقابل تأمينه، فدلهم على نعم (أنعام) لبني عم له، فأغاروا عليها فاستاقوا مائتي بعير، وقدموا بغنيمتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا قتال.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا دأب في طلب أعداء الإسلام ولو بعد حين وكان نشاط البعوث والسرايا بالعام السادس قد صار كبيرًا وكان مردوده الاقتصادي والعسكري والإيماني أكبر إيجابية على المسلمين وسلبية بأعدائهم ممن كانوا يفرون رعبًا.
وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعماله على بلاد حضرموت زياد بن لبيد البياضي على حضرموت، وعكاشة بن محصن على السكاسك والسكون، والمهاجر على كندة، وكان بالمدينة لم يكن خرج حتى توفي رسول الله، فبعثه أبو بكر الصديق ، بعد إلى قتال من باليمن
ومنذ أن سمع عكاشه هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم تاقت نفسه لطلب الشهادة، والمسارعة لنيل هذه الدرجة العظيمة، فخرج يقاتل المرتدين، ويقضي على فتنة المتنبئين، وراح ليكون في طليعة الصحابة الذين خرجوا لقتال المتنبئ طليحة بن خويلد، مع خالد بن الوليد رضي الله عنهما .
وبعثه خالد مع ثابت بن أقرم رضي الله عنهما طليعة أمامه يأتيانه بالخبر وكانا فارسين عكاشة على فرس له يقال له الرزام وثابت على فرس له يقال له المحبر، فلقيا طليحة وأخاه سلمة بن خويلد طليعة لمن وراءهما من الناس، فانفرد طليحة بعكاشة وسلمة بثابت رضي الله عنهما، فلم يلبث أن قُتل ثابت بن أقرم فصرخ طليحة لسلمة: أعني على الرجل فإنه قاتلي.
فكر سلمة على عكاشة فقتلاه جميعا ثم كرا راجعين إلى من وراءهما من الناس، وأقبل خالد بن الوليد ومعه المسلمون فلم يرعهم إلا ثابت بن أقرم قتيلا تطؤه المطي، فعظم ذلك على المسلمين ثم لم يسيروا إلا يسيرا حتى وطئوا عكاشة قتيلا، فأمر خالد بن الوليد بدفنهما فحفروا لهما ودفناهما بدمائهما وثيابهما، ولقد وجدوا بعكاشة جراحات منكرة ، وهكذا فارق عكاشة الدنيا ليلحق بركب الآخرة بلا حساب ولا عذاب .
التعليقات مغلقة.