الدكروري يكتب عن مميزات وخصائص التخطيط بقلم محمـــد الدكـــروري
إنه يتميز التخطيط بعدة خصائص مهمة، وهي أنه يعد التخطيط الوظيفة الإدارية الرئيسية والأهم من بين الوظائف الأخرى، بحيث تنفذ الخطط خلال تطبيق الوظائف الأخرى لتحقيق الأهداف الموضوعة، ويوجه نحو هدف معين، ويحدد التخطيط أهداف المنظمة، ثم يحدد المسارات المحتملة ويقرر المسار الأنسب لتحقيق سير العمل والوصول إلى الهدف المراد، وتتطلب جميع القطاعات والمستويات تطبيق التخطيط، وكل مستوى يختلف نطاق التخطيط فيه عن باقي المستويات، وتوضع خطط تطبق خلال فترة محدودة لمدة شهر أو سنة وما إلى ذلك، وبعد انتهاء المدة المحددة والمتفق عليها، توضع خطط جديدة لمواكبة الظروف والاحتياجات الحالية والمستقبلية، لذا فالتخطيط عملية مستمرة تنفذ بمراحل متتابعة، فالتخطيط عملية تتطلب عصفا ذهنيا وتمرينا عقليا.
يشمل التفكير والتخيل والابتكار والإبداع وغير ذلك، وكذلك تشمل عملية التخطيط النظر إلى المستقبل ودراسته وتحليله والتنبؤ بالمشاكل والتحديات التي من الممكن أن تحدث، والعمل على مواجهتها ووضع خطط لتجنبها في المستقبل، وهكذا إذا نظرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه اللحظات النادرة، وهو يدبر ويخطط ويرتب لعملية من أخطر العمليات في التاريخ الإسلامي، إنه يريد أن يخرج من مكة هو والصديق رضي الله عنه دون أن يشعر بهما أحد، بل بدون أن يشعر أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم بأمر الجريمة التي تدبر له حتى لا يعجل الكفار بجريمتهم، لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رسول الله وسوف يرعاني الله ويحفظني، بل أخذ بكل الأسباب الممكنة لإنجاح عملية الهجرة الخطرة، كانت أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة مشاكل.
أراد أن يدبر لها حلا، وهو أنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يذهب للصديق رضي الله عنه ليخبره بأمر الهجرة، ولكن دون أن يراه أحد، أو هل يا ترى سيكون الصديق جاهزا لهذه الهجرة المفاجئة، التي ستكون بعد ساعات فقط؟ وأنه لا شك أن الكفار سيأتون لحصار بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو اكتشفوا هجرته فسيتبعونه خارج مكة، ولو خرجوا خلف الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة فسيكون احتمال اللحاق به كبيرا، فكيف يؤجل رسول الله صلى الله عليه وسلم حركة المطاردة المشركة له؟ وكان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانات فكان القوم يحفظونها عنده، وسبحان الله كان أهل مكة المشركون لا يجدون من هو أكثر أمانة من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يحفظوا عنده أماناتهم، وذلك مع شدة عدائهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم على درجة هائلة من الأمانة بحيث إنه في هذا الموقف الخطير ما زال مشغولا برد الأمانات، ولم يقل إنها أموال الأعداء، يجوز الاستيلاء عليها، بل ظل محافظا على العهد الذي بينه وبينهم، وعلى الفور بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يفكر في حل هذه المشاكل فقرر أولا أن يذهب إلى الصديق ليخبره بأمر الهجرة ولكن في تكتم شديد، فخرج في وقت الظهيرة، وهو وقت لم يعتد فيه أن يذهب إلى الصديق، وفي الوقت ذاته هو وقت تخلو فيه شوارع مكة، من المارة لشدة الحر، والأمر الثاني الذي قرره صلى الله عليه وسلم هو جعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقوم بمهمة مزدوجة، وهذه المهمة هي أن ينام في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الليلة، وقد تغطى ببردة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء المشركون ونظروا من ثقب الباب.
وجدوا عليا نائما في غطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيظنونه الرسول صلى الله عليه وسلم، أي أنها عملية تمويه وإخفاء، وبهذا يعطي الرسول صلى الله عليه وسلم الوقت الكافي للابتعاد عن مكة، وإلى جانب هذه المهمة الخطرة فإنه على الإمام على بن أبى طالب رضي الله عنه أن يعيد الأمانات إلى أصحابها في اليوم التالي، فلا تضيع حقوق أحد من المشركين، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في تنفيذ خطته بسرعة، فخرج من الظهيرة متجها إلى بيت الصديق رضي الله عنه، وزيادة في التخفي فإن الرسول صلى الله عليه وسلم غطى رأسه ببعض الثياب، فلو رآه أحد من بعيد ما أدرك بسهولة أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم على الصديق في هذه الساعة التي ما جاء فيها إلى الصديق من قبل طيلة الأعوام السابقة.
حتى إن ذلك لفت نظر الصديق رضي الله عنه فقال كما تحكي السيدة عائشة رضي الله عنها، وكما جاء في صحيح البخاري “فداء له أبى وأمى، والله ما جاء به فى هذه الساعة إلا أمر ” وحتى هذه اللحظات والصديق لا يعلم أنه سيهاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
التعليقات مغلقة.