موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

“الرافعي والذهب”….بقلم الأديبة منال عبد المنعم

264

اقترن معي اسم الرافعى منذ حداثة سني، ومنذ أن بدأت أعي ما يدور حولي من نقاشات وأحداث.

كان أبي يعود من عمله كل ثلاثاء بعد أن أستفيق من نوبة الحمى الأسبوعية -التى تصيبنى بعد فجر الثلاثاء-، وبمجرد أن تغلق والدتي باب المنزل، وما إن تودع أبى لسفره إلى القاهرة -حيث مقر عمله الرئيسي- وإلى أن يعود، أظل في الفراش أهذي بكلمات مبهمة، لا يستطيع تفسيرها مَن حولي، ولا أتماثل للشفاء إلا في تمام السادسة مساءً، وكأننى مبرمجة على ذلك.
والسادسة مساءً هو ميعاد وصول القطار القادم من القاهرة إلى الإسكندرية، وقت أن كانت الساعات تضبط على سكن القطارات محلها؛ فيوافق سكن قلبي الطمأنينة والأمان.

كانت مع محاولات إسعافاتها الأولية لي تظل في حالة من القلق والذهول، والترقب والخوف، والانتظار والحيرة، وبين الفنية والأخرى تتبع عقارب الساعة التي بِتَقَدُّمِها تنتهي الحمى؛ حتى بات الأمر مألوفًا، لكنها كانت في كل مرة تقص الأمر على أبي فور وصوله، وملامح الحيرة والخوف تسيطر عليها، فكان يخيل إليه أنها تبالغ فيه، إلى أن توافق وجود جدتي لأبي ذات ثلاثاء فأصبحت شاهد عيان على الحدث الذي كانت تعلمه بالسمع فقط. وما إن تجسد أمامها المشهد حتى أصيبت هي الأخرى بالذهول. وحين تحدثت إلي أبى اقترحت عليه -وكونى شديدة الارتباط به- أن يأخذني معه أسبوعيًّا؛ حتى لايصيبني مكروه. وقد كان أن اصطحبني معه أكثر من مرة إلى القاهرة -وأنا ابنة الخمس سنوات أو أقل- ذهبنا إلى مكتب الرافعي، وكنت أسعد بما أعيشه بين المهندسين والعمال.

سفرية الثلاثاء كانت تعني لنا الكثير، ولم أدرك ذلك إلا بعد سنوات من الأحداث المتتالية.
كانت هذه السفريات محملة بكثير من وجوه الخير. كنت أطلب من أبي في كل مرة شراء إكسسورات بعينها، وحين وصوله كنت أقفز من الفراش لأحتضنه وأسأله عن طلباتي. وبمجرد أن يخرجها من حقيبته -السامسونايت- وأرتديها فأحتضنه مرة ثانية، وأقبل وجنتيه.

اسم الرافعي وقتها كان يعني -أيضًا- الذهب.
فطالما كلف أبي بمهمة فى الأسكندرية، وما إن يتمها ويتحصل على مكافأته منها حتى يدخل على والدتي بهدية ذهبية، بل ومن تصميمه؛ حتى إن صديقه الصائغ طلب منه ذات مرة أن يقوم بتنفيذ موديلات جديدة من ابتكاره، تكون خاصة باسمه، فرفض أبي بحجة أن هذا العمل من باب -الفانتازيا- الخاصة به.
وعلى إثر ذكر الهدايا الذهبية من هذه السفريات والمكافآت؛ أتذكر في واحدة من سفريات أبي حيث قررت والدتي ارتداء سوار الجنيهات الذهبية، ففتحت خزانتها ولم تجده بصندوقها القطيفة، ففزعت وأخذت تبكي وهي في حالة من الهلع والبحث المستمر، وعلمت الجدة والعمات والخالات بالكارثة. وما إن وصل أبى فقصت عليه الأمر ، فابتسم قائلا: ولا يهمك سأشترى لك غيرها، فضحكت قائلة: لكني وجدتها حين تذكرت أنني كنت وضعتها في مكتبتك أثناء تواجد عمال النقاشة بالمنزل، فغضب أبي من كونها قامت بتجسيد الملحمة التراچيدية أولًا، ونالت منه ما لاترجوه زوجة من تعنيف بالكلمات، وأقسم أنه لن يشتري لها ذهبًا مرة أخرى، ولكنه لم يصدق في قسمه. فقد كان رجل الذهب.

تغيرت الأيام كعادتها، وسلك أبي مسلكا آخر، وبت لا أسمع اسم الرافعى في منزلنا إلا من باب الذكريات، إلى أن كنت -على ما أتذكر- فى الصف الثاني الإعدادي، وهذه المرحلة التي تشكل فيها حسي الوجداني وانفعالاتي وميولي تجاه الشعر والأدب، بجانب هوايتي الأولى؛ وهي “الرسم”.
ففي إحدى الأيام الدراسية، وفي حصة مادة اللغة العربية
ذكر المدرس وقتها اسم الرافعى في إحدى دروس الأدب المقررة، فشردت أنا مع كل الأحداث السابقة،
وحدثتنى نفسي: الرافعى!!
الرافعى -بالنسبة لي-: قلم رصاص، ومسطرة حرف تي، وترابيزة رسم هندسي يعلوها مصباح كهربائي كبير، وأمامها يجلس أبي يرسم بدءًا من السابعة مساءً في حجرة مكتبه. لم يجرؤ أحد منا على رفع صوته، ولا صوت التلفاز، ولا منا من يستطيع أن يتقدم خطوة واحدة نحو ذلك الحرم، اللهم إلا والدتي فى حالة احتياجه فنجانًا من الشاي. ومع ذلك كنت أتسلل بخفة على أطراف أصابعي، إلى ان أصل لأقف خلف يمينه أو بجانبه أحيانا محاولة فك لعز كل هذه اللوغاريتمات، وأظل أخمن طوال الوقت: من أي خط سيخرج المارد الذي سيحول كل هذا الرصاص من فوق أوراق الكلك الأبيض لكتل إسمنتية وخرسانات فولاذية وأبواب وشبابيك ليعيش فيها أناس ربما تقرأ ذات يوم لذلك الرافعي؟ فمن ذا الذي أتى بالرافعي إلى هنا ؟
ووقت أن كان يسترسل مدرس العربية في شرحه؛ كنت أقرأ نبذة عن هذا الكاتب لعلي أقف أتحدث عن أيام أبي معه.
ما إن قرأت وحصلت ما استطعت تحصيله إلا أن أفعم قلبى حبه، وباتت ميولي القرائية مختلفة تمامًا؛ فمن كلماته تنتشي مهجتي، ومن أمثاله نتعلم بلاغة الإنشاء وجوهر المعاني؛
فقرأت ما تيسر لي من أعماله.

التعليقات مغلقة.