الرقص على الرفات قصة قصيرة بقلم.. عصام الدين محمد أحمد
أنبش قبر الأوراق؛ الفايلات تمتص عتاقة الخرائط والرسوم الهندسية.
يهجم سيد عليّ بالقبلات، يمتد صوته:
مبروك.
على إيقاع الموال يترنم:
تتردد إشاعة قوية بترشيحك لرئاسة الإدارة.
كتم على نفسي، نحل جسدي، تقوقعت، أزيحه بصعوبة.
نازعتني الدهشة:
ما رغبت – يوما- المنصب!
لا تكذب وتدعي الزهد.
“يا منيل ” على عينك هذه المسئولية تتعارض مع ظروفي.
لا يا فالح.
يسأل سيد:
أتقبل الترشيح؟
أستعذب المناوشات، لا أرد،يعقب:
للترقية تنازلات!
تتوه المعاني، تتشظى الحروف، نُصب سيرك التنكيت والتبكيت الذاتي:
تستحقها، فكر، اعقلها وتوكل.
يا عم “بكرة” تكبر، و”تتكربن” مثل غيرك.
أتربط الحمار مطرح ما يحدد صاحبه؟
ما أنا بكلاف للبهائم!
بدل ما تعملها سخرة، اعملها كجميل.
طالت ذكرى الحوار والمشهد حتى فترت المياه.
كوز وراء كوز، ولم ينفض البدن أدرانه.
الليفة تنغل المسام، تستنفر الجلد.
ارتطام المياه بكاهلي أشبه ما يكون بعزف ناي منفرد.
أوراق كتابي تُطوى محدثة رنينا، ورقة تجر ورقة؛ ذات الأحداث والأشخاص.
لم يبق في السجل سوى بضع وريقات.
أحك أرنبة أنفي،ها أنا أشم رائحة المساء:
شواء وامرأة مترجرجة الأعطاف وكأس متعة وأهازيج؛ أليس هذا هو المساء؟!
لا تسرح في الجنس.
يعاودني المشهد الصباحي:
ألم رسومات التوسع، لا أمهل نفسي فرصة ارتشاف فنجان القهوة.
أطرق الباب؛ ما باله موصدا بالترباس؟!
يُفتح بعد أن طال الوقت.
لا أرتاح للعيون المحدقة فأقول لطرد الخجل:
لا بد من “تزييت” لسان القفل.
ما كدت أقعد وسوط حسين يلسعني:
الاجتماع مقتصر على الأعضاء.
أرد كاظما الغيظ:
هناك رسومات يتعين اعتمادها.
يأخذ الملف ويشير لي بالخروج.
سهام الخذلان ترشقني.
ماذا أفعل الآن؟
لماذا لا تبتلعني الأرض؟
لماذا لا تذروني الرياح؟
تسعى للإحراجات دون تعقل، لماذا تسعى للتعامل مع هؤلاء المغرورين يا “واكل”ناسك؟
أصدقت أنك مشروع مدير تخطيط؟
ماذا تخطط يا لئيم؟
أشخب في خطوي، تفكك مفصل ومفصل.
اتّسعت الحجرة فصارت جرداء لا تخوم لها.
يتربع حسين فوق المكتب، يتخفى خلف الضباب، يلهج بعبارات عاجزة.
يتحدث وكأنه حكيم بني العريان!!
يعتقد أنه يجيد التأويل والتحليل.
يصفقون، يترنحون طربا.
المياه الفاترة تداعبني ثانية، قأطرد المشاهد من مخيلتي بصورة مؤقتة.
تنساب المياه فوق رأسي، تتبخر الهموم، أدعك نافوخي بالصابون، الرغاوي تتسرب للمخيخ، ترخي ستائر الوعي، ها أنا عاريا فوق كرسي الحمام، تشاغيك التهكمات:
لا وظيفة تخبل عقلك، ولا منصب يداعبك طيفه!
لا صداع في المساء يدوخك، ولا زوجة تنغص حياتك.
كل مساء تتجرع حبوب الكسل ، فتقيلك من فحولتك، تحيلك لزوج منتوف الريش.
لا أولاد يطاردونك بمقشة المطالب، لا أم تهملها في الصعيد، تمرض فلا تسأل عليها،فتذكرة القطار بمئتي جنيه.
لا أب في الجبانة يعوزه دعاء وزيارة، ولا أخوة ينقبون عن عمل!!
وها أنت مدون في هامش كتاب المصالح!!
أوهن الذراع يا جبان؟
أشاخت العظام ؟
أعقرتك الحاجة؟
ألم تجد الرقص قبلا؟
أفِق يا مخبول، ألم تأفل شمسك؟
لا تقل أنك تجيد الصراع، ها أنت تستظل الفيء، تنظم الكلام، “يا دا العيبة من بعد الشيبة!”
غدا ستتيه في غرابيب سود، وتنهشك العقبان.
أيمكنك الخطو فوق سِل القاع؟
أزيج الرغاوي، تقطرنت الصابونة، تفوح منها رائحة الليمون، في عينيّ حرقان، أفتحهما وأغلقهما والصور تترى:
يتشدقون بهوام الكلام،بوجهه الجهم يتمركز الدائرة،أشبه ما يكون بكفار الأفلام ، ينهض كأبطال الكارتون:
لا تنطبق عليه الشروط.
يستطرد:
ننطلق لجدول الأعمال.
أتوافقون؟
يرفعون أياديهم علامة الموافقة.
لا يدرون على ماذا وافقوا!
يسلم المدير المالي شيكا لكل عضو.
أدلق زجاجة الشامبو، أهرش فروتي، رنين مواعين الطهي تهدهدني، أشعر بالجوع، أصيح في حبور:
تبا للشركة وعنكبوت مجلس الإدارة!
في المساء شاهدت مسلسل عواد باع أرضه، أعقبه برنامج تسجيلي عن فوائد الاستروكس.
تمت بحمد الله
التعليقات مغلقة.