الزفة بالكورونا… مجدي سـالم
الزفة بالكورونا..
بقلم مجدي سـالم
مالت من نافذة سيارتها لتتحدث إلي.. وكأنها تحينت فرصة توقف العربات في الزحام.. كنت شاردة الذهن وقد امتلأ فكري بكل شيء في الدنيا في آن واحد.. كنت أخفي دموعا تتساقط في قلبي لا يراها غيري.. وحزنا يملأ صدري يكاد يعتصرني.. وخوفا من مجهول لم أمر به من قبل في حياتي الصغيرة.. وألما لضياع أمل عشت أحلم به كأي فتاة في عمري.. كم تمنيت أن يكون زفافي في إحتفلات كبيرة وصالات فارهة وقصور وسيارات مذهبة وأضواء.. وموسيقى شرقية وموسيقى غربية صاخبة وعبيد سود وراقصات ومواكب تتلوها مواكب.. فإذا بي وليس لي من كل هذا غير هذا الرداء الأبيض وطرحة وتاج وحذاء فضي..
قطعت أحبال أفكاري وهي تعيد ما قالته.. دلت ابتسامتها الهادئة أنها تتفهم أسباب شرودي..
- في عروسة تبقى زعلانة كده..؟! مالك..؟ خايفة..؟
إستجمعت كل شجاعة الدنيا كي أرد على سؤالها.. وهل للعروس أن ترد على غريبة تطل عليها من سيارة غريبة.. لكنني كنت أشعر بإن علي أن أتحدث إلى أحد.. إلى أي مهتم.. وقد امتلأ رأسي بإن أحدا لا يعبأ بهمي ولا بحزني.. أن أحدا لا يعرف ولا يفهم ما بي.. أن أحدا لا يفهم كيف تحلم كل فتاة بيوم زفافها.. إنه اليوم الوحيد في حياتها الذي تشعر فيه بإنها المليكة المتوجة.. وأنها الأجمل على ظهر الأرض.. وأنها أكثر النساء اكتمالا وبهاء ورشاقة.. وأنها محط أنظار كل النساء والرجال.. وأن الدنيا تزينت لها.. وأن كل من حولها قد ارتدى أجمل ما لديه وتزين من أجلها.. وأنها.. ..
- لأ.. مش خايفة.. بس حضرتك شايفة.. بقى دي زفة..؟
لا أعرف لماذا قلت لها هذه الكلمات وأنا لا أعرفها.. وانفجرت مع كلماتي دمعة ساخنة كبيرة وكأنها اخترقت عيني.. فسارعت بإخفائها خشية أن يراها أحد ممن حولي.. وقد ازداد ازدحام السيارات فما عادت تتحرك إلا بضعة أمتار ثم تعود لتتوقف من جديد.. حتى أن السيارات القليلة التي كانت تطلق أبواقها في بداية تحرك الموكب قد توقفت عن زمرها.. وأحسست أنني بحاجة إلى من أفر إليه.. تعلقت بذراع رجلي الذي سيصير زوجي الليلة.. وكأنني أستغيث به كي يأخذني من طوفان أحزاني.. أبحث في يده القوية عن مرفأ آمن.. فبللت كفي الصغير بدمعتي كم بذلته السوداء.. لكنه كان مشغولا عني بصراخ المستجيرين حولنا من الزحام..
لاحظت أن السيدة ذات الرداء الأسود والشعر المرتفع والماكياج الصارخ تتحدث إلى رفيقها الذي يقود السيارة بجوارهم.. ثم التفتت ومالت على نافذتها من جديد.. كانت تتحدث هذه المرة إلى رجلي الذي انتبه بالكاد إليها..
- باقول لك إيه يا عريس.. إركنوا على جنب وتعالى ح أقول لك حاجة..
أنا بالقطع لا أعرفها.. لكنني لا أعرف لماذا خامرني الشعور أنها تلقي إلي بطوق النجاة.. وأنها تأخذ بيدي لتخرجني من وسط أمواج حزني.. كان اهتمامها بكلماتي بالغا حتى أنني أحسست أني أرى دمعة في عينيها الواسعتين.. كانت جميلة جدا.. وكانت لغة جسدها تشي بإنها توشك أن تقفز من سيارتها إلينا..
توقف الموكب.. نزل رجلي يتحدث إليهما.. عاد بوجه متهلل.. همس بشيء ما إلى سائق سيارتنا الذي أومأ إليه وكأنه كان يوافقه على شيء ما.. ثم يبدو أنه يعيد ما قاله لسيارة أخرى من أولئك الذين كانوا في موكبنا الصغير.. ما لبث أن عاد إلى سيارتنا في رشاقة.. ألقي بنفسه إلى جواري.. ابتسم لي ابتسامة عريضة ثم همس في إذني..
- دي أجمل مفاجأة في العالم.. إستني حتشوفي..
دار سائق سيارتنا في المنعطف التالي.. تبعته باقي السيارات وقد عادت أبواقها تدق من جديد باللحن المميز لمواكب الزفاف في بلادنا.. كان الجميع يتجهون صوب ذلك الميدان الصغير الذي تقف فيه المسلة الفرعونية على كورنيش النيل.. كان المكان هادئا مظلما فما لبث أن إمتلأ بالسيارات في لحظات.. لا أعرف من أين أتت كل هذه السيارات.. نزل أحدهم وراح يشير للسيارات لتصطف فيما يشبه طابور العرض على الكورنيش الطويل الهاديء.. ونزل أناس كثيرون.. رجال وأناس يقفزون ليجلسوا فوق سياراتهم وكأنهم اعتادوا ما يفعلون أو أنهم اتفقوا عليه من قبل.. وللعجب.. راح رجال ونساء يخرجون آلات موسيقية ويجاور بعضهم البعض.. تعالت الضحكات وغمرت السعادة المكان.. أخذ رجلي بيدي يخرجني من سيارتنا لنجلس فوقها مثل الآخرين.. توسطت سيارتنا موكب المتفرجين بينما اصطفت سيارات العازفين متجوارة أمامها.. في لحظات كانت الآلات تعزف والكل يتمايل طربا.. وكانت دهشتي.. وحيرتي.. وفرحتي..همس رجلي في أذني قائلا..
- دي الفرقة القومية.. ومعاهم مريم عطية.. حفلتهم اتلغت عشان الكورونا
التعليقات مغلقة.