السامري الصالح “الروح والقوانين “… د.أحمد دبيان
السامرى الصالح ” الروح والقوانين“
د.أحمد دبيان
كنت أنهى أعمالى وأكمل ملفات المرضى فى العناية المركزة بعد مرورى اليومى حين أتت رئيسة التمريض لتتساءل : هل تعلم بأن هناك مريض قادم من عناية القلب مصاب بأحتشاء حاد فى عضلة القلب إضافة الى كونه مريض فشل كلوى مزمن .
وان إستشارى أمراض الكلى يريد أن يجرى له جلسة الغسيل فى العناية ليكون تحت الملاحظة .
أجبتها لم يخبرنى أحد بالأمر
جاء فنى الكلى بجهاز الغسيل ثم أتى المريض و الذى فعليا لا أعلم عنه شيئا فى خطأ تنسيقى خارج أى منظومة للأخلاقيات والأعراف الطبية .
إطلعت فى عجالة على ملف المريض حالة إحتشاء أمامى حاد فى عضلة القلب بكفاءة عضلة خمس وعشرين فى المائة والمريض على جرعة عالية من عقار النورأدرينالين المحفز للدورة الدموية والذى يتم إعطائه عن طريق وريد طرفى ، مع محاولة فاشلة لطبيب الكلى لتأمين قسطرة غسيل كلوى أعقبها قراره إستخدام التحويلة الشريانية الوريدية الموجودة لدى المريض للقيام بعملية غسيل كلوى تقليدى للمريض .
كان هذا القرار فى رأيي شديد الخطورة على حياة المريض ، فجرعة الدواء المحفز عالية جدا ولن تتحمل الدورة الدموية للمريض القيام بجلسة الغسيل التقليدى التى سيتم فيها إزالة ما يقرب من لترين من السوائل على مدار ياعتين مع حالة الإحتشاء الحاد فى عضلة القلب والأفضل كان القيام بغسيل كلوى مستمر يتم فيه ازالة السموم والسوائل ولكن بجرعات إزالة هادئة ومستمرة على مدار أيام .
سألتنى الممرضة ونظرات التوجس تبدو فى عينيها هى وفنى الكلى ، هل نبدأ ؟
لم تكن الحالة بالفعل من مرضاى بل ولقد تم مخالفة الأعراف الطبية المفترضة بإبلاغى عن تفاصيل هذه الحالة ووجودها ضمن حالات وحدتى.
هنا حزمت أمرى فأمرت بايقاف جلسة الغسيل وقمت بتأمين قسطرة غسيل مركزية .
سألتنى الممرضة الأجنبية بعدها
هل تتولى من الآن رسميا يا دكتور معالجة المريض
بادرتها
هل تعلمين
The Good Samaritan Law
أجابتنى بإبتسامة من أدرك الإجابة : بلى يا دكتور .
هنا قلت: أنا هنا أقوم بدور السامرى الصالح .
والسامرى الصالح هو إحد الشخصيات الإنجيلية التى وردت فى إنجيل لوقا .
والسامرى الصالح الذى تتشابه تسميته مع سامرى بنى إسرائيل المذكور فى القرآن وأضلهم السامرى رغم بون زمنى شاسع وإختلاف تام بين الشخصيتين .
السامرى الصالح هو من اليهود السامرة الذين لا تعترف اليهودية التلمودية بيهوديتهم.وهو الأقرب للملكوت لفهمه لروح الشريعة ومداواة المرضى.
فقد ورد فى إنجيل لوقا
لوقا 10 : 25 – 37
ذات مرة، عندما كان يسوع يعلم الجموع، تقدم اليه ناموسي اى من الفريسين المتمسكين حرفيا بالشريعة و سال المعلم سؤالا لكي يجربه وقال :” يا معلم ماذا على ان افعل لكي انال الحياة الابدية “، فأجابه عيسى عليه السلام .” ما هو مكتوب في ناموس الله ؟،كيف تفسره “، فأجاب قائلا،” تحب الرب الهك من كل قلبك وقوتك وفكرك وتحب قريبك كنفسك “.فقال له يسوع،” بالصواب اجبت افعل هذا لتحيا.”
اما هو فحاول ان يبرر نفسه ويحتال على يسوع فسأل،” ومن هو قريبي ”
اجاب يسوع واخبره بأمثولة ” كان هناك رجل يهودي مسافر من اورشليم الى اريحا. هذا الطريق كان يمتد من اقصى شمال اورشليم الى اقصى الجنوب اريحا. وكان هذا الطريق مكانا لللصوص وقاطعي الطرق ليختبؤا وينتظروا المسافرين. في ذلك اليوم هاجم اللصوص هذا الرجل، فأخذوا ملابسه وضربوه ضربا مبرحا وتركوه بين حي وميت. ولحسن الحظ كان هناك كاهنا مسافرا على نفس الطريق ولكنه عندما رأى الرجل الجريح تركه ومضى. ثم مر لاوي من اللاويين الموكلين بتنفيذ الشريعة الموسوية بنفس المكان ولكنه عندما رأى الرجل تجنبه واتجه الى الجانب الاخر من الطريق وتركه.
ثم جاء رجل سامري كان مسافرا على نفس الطريق وصل عند هذا الرجل الجريح. وفى العادة لا يساعد اليهودي السامرة بسبب التمييز العنصري الكبير الموجود بين الشعبين. لكن هذا السامري عندما رأى الرجل الجريح وهو في وضع سيئ، أشفق عليه، فداوى جراحه وقام بتنظيفها و تعقيمها وربطها. ثم حمله ووضعه على حماره واخذه الى فندق واسكنه في مكان مريح. وفي صباح اليوم التالي اخرج قطعتين من الفضه واعطاهما لصاحب الفندق وقال له،” اعتني به واذا صرفت عليه اكثر فأضفها على حسابي وعندما عود سأدفع لك المبلغ “.
ثم نظر عيسى عليه السلام الى الناموسي وسأله.” اي من الرجال الثلاثة اصبح قريب الرجل المجروح ” فأجابه الناموسي،” الرجل الذي رحمه واعتنى به ” حتى انه لم يلفظ كلمة ” سامري ” بسبب الحقد الموجود في قلبه. فقال له المعلم ” اذهب وافعل الشيئ نفسه”
اذا فما العلاقة بين السامرى القرآنى
واليهود السامرة
فعلياً لا توجد علاقة الا فى جذر الوصف.
السامرى والسامرة منبوذون .
الاول بعقاب الهى على يد رسوله موسى لانه جعل لهم عجلاً جسداً له خوار وكان السبب فى ضلالهم .
اما طائفة السامرة فهم يؤمنون فقط بخمسة أسفار من التوراة
ويسمونها كتب موسى الخمس
The Samaritan Pentecost
وهم لا يعترفون بالتلمود ولا بالمشناة توراة ولا ببقية اسفار التوراة ويعزون تسميتهم الى انها محرفة من شامرى بمعنى المحافظ.
يحيا السامريون فى جبل جرزيم فى نابلس وحتى اليوم.
القاسم المشترك بين سامرى قوم موسى والسامريون رغم انه لا علاقة مباشرة بينهم وان بينهم قرونا ً وسنين ، هو ان التسمية وصف لكليهما
شمر بالعبرية فعل
Shamar …..shawmar
to keep oneself, refrain, abstain
وشمرنى تصريف بمعنى اعتزلنى وتوقنى
فكانوا هم المنبوذين ، وكان اليهود العبرانيين يعتبرون الاختلاط بطائفة السامريين نجاسة …..
وقد فسر القرآن المعنى فى قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام
فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ
فنبذه لان لا مساس
فالسامرى والسامريون وصف من الفعل شمرنى اى توقنى وهو معنى
لا مساس .
ولنبل ما فعله السامرى وللقيمة الأخلاقية التى أراد المعلم العظيم أن تكون نهجا ونبراسا لمعيار أخلاقى للشريعة وروحها وأن أينما توجد المصلحة التى تحفظ النفس فثم شرع الله شرعت دول عديدة منظومة قوانين تحت عنوان
The Good Samaritan Laws
أو قوانين السامرى الصالح
وهى مجموعة قوانين تسبغ الحماية على الأشخاص الذين يقومون بمساندة ومساعدة لأشخاص آخرين حين يرون ان هؤلاء الأشخاص يتعرضون لما يهدد حيواتهم .
الحماية القانونية للتشريعات تأتى فى إطار تشجيع المشاهدين وحسم ترددهم فى المساندة والمساعدة خوفا من المساءلة القانونية حال موت الشخص المهدد بالمرض أو الإصابة .
تعمل منظومة قوانين السامرى الصالح فى البلدان الناطقة بالإنجلزية وهى متفرعة من النظام التشريعى الإنجليزى العام ويتم تطبيقها مع اختلاف ضئيل فى التفاصيل فى إنجلترا وأيرلندا و أستراليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية . بل وتوسعت منظومة التطبيق لتشمل الصين وألمانيا ورومانيا وفنلندا والهند واسرائيل .
تأتى قوانين السامرى الصالح حماية للإنسان وتعطى الزخم التشريعى الأخلاقى للحث على المساندة والمساعدة حماية للروح الإنسانية.
بعد فراغى من تأمين قسطرة الغسيل الكلوى المركزية للمريض هاتفت طبيب الكلى مبينا خطورة القيام بعملية الغسيل الكلوى التقليدى وان القسطرة قد تم تأمينها للمريض .
فبادر متلعثما : فالأفضل إذا إجراء غسيل كلوى مستمر .
التعليقات مغلقة.