السريرة.. قصة قصيرة بقلم/د.محمد محي الدين أبو بيه
في هدأة الليل وقد تحزبت عليّ الهموم،بسبب بعض ديون ومشاكل في عملي الخاص، أخذت هاتفي المحمول أتجول في صفحات( الفيس بوك) لأُسري عن نفسي بعض الشئ ، جرى الوقت سريعا حتى جاءتني رسالة من شخص باسم( صانع الورود) يقول فيها
: (أنا مش محتاج فلوس لكن لوقدرت تساعدني بأي فائض أكل عندك ربنا يكرمك)
تفحصت الرسالة مليا وأتاني إحساس بأنه صادق فيما يقول
رددت على رسالته وعرفت منه أن لديه أسرة من أربعة أفراد ويعيش بأحد الأحياء الفقيرة بالمدينة
وأخذت رقم هاتفه للتواصل
عشت لحظات من الرضا وقد أينعت في قلبي بذور الرحمة وحب الخير،فطفق يرتفع سقف أماني إزالة الهموم ورفع الديون عن كاهلي وابتعاد الغم الذي يملأ صدري، فبهذا التصدق أحقق فيه قول (من فرج عن مسلم كربة من كربات الدنيا فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة )
في اليوم التالي تجهزت لفعل الخير، أمسكت الهاتف وقمت بالاتصال على السائل وكانت المفاجأة أن الذي رد صوت نسائي رقيق
: أليس هذا رقم صانع الورود
: نعم فأنا صاحبة الحساب على الفيس بوك وكنت أنا التي تتواصل معها على (الماسنجر)
ارتبكت قليلا ثم قلت
: (مفيش مشكلة…على العموم أنا هاجهز الوجبات وبعدين اتصل عليكي علشان نتقابل)
: (تمام شكرا لحضرتك)
انتهت المكالمة وصوتها الذي به بعض من الدلال يرن في أُذني، انتعشت داخلي رغبات دفينة من شهور بسبب تراكم الهموم والديون وانقلبت بسريرتي دوافع إعطاء الوجبات من بذل الخير إلى الفوز بمتعة جسدية التي ازدادت بفعل طريقة التعارف فلربما هذه وسيلة مستترة لجذب المتفاعل معها حتى يتم اللقاء بينهما بسلاسة
تهيأت بعطر مثير، حلقت ذقني حتى أصبح ملمس خدي قطنيا، لبست قميصا ذا ألوان زاهية، وتأكدت من صديق لي بأن شقته الموجودة بأطراف المدينة لا يوجد بها أحد حيث أنه يخصصها للقاءاتنا بها وقت الفراغ فمفتاحها يوجد معي، وهكذا تم تهيئة الوضع
انطلقت بسيارتي وينازعني اتجاهان أحدهما هو فعل الخير والآخر اقتناص متعة سهلة تُذهب عني الضغوط التي تملأ حياتي وبها أنفث زفرات تعتمل بصدري
اشتريت الوجبات ثم اتصلت بها لأخبرها بمكان لقائنا بأحد الحدائق
وأنا بالانتظار تأملت أمري وعالجت حالي وكيف أني انتقلت من نقيض إلى نقيض، عند اهتمامي بأمر الرسالة وتحمست لفعل الخير كانت السعادة تغمرني ثم تحمست أيضا عندما عرفت أن صاحب الرسالة امرأة ولكن بنية أخرى مختلفة وبعيدة كل البعد عن الأولى
ياللعجب لهذه النفس التي بين الصدور والسريرة الرابضة داخلنا فتذكرت قول المنفلوطي
( وقف آدم أمام باب السريرة يوم الشجرة يعالج فَتحَه فاستعصى عليه، ثم وقف بَنوه من بعده مَوقفه فعجزوا عجزه)
مع استغراقي في التفكير رن الهاتف لتخبرني أنها أتت فأعلمتها مكاني، شابة بسيطة الحال ملابسها تدل على رقة عيشها وقلة ذات يدها، ملامحها جميلة طغى عليها الفقر والعَوز، تكلمت باستحياء شاكرة إياي بنفس الصوت الذي كنت أحس فيه الدلال ولكن هذه المرة أحسست فيه الخجل.
هبطت أسهم الرغبة الجسدية داخلي وعلت أسهم التقوى فألغيت كل ما نويت فعله من محاولة الدخول في علاقة غير سوية معها
قدمت لها الأكياس وسألتها إذا كانت تريد شيئأً آخر ثم أصررت أن أعطيها أجرة المواصلات وودعتها على أمل إحضار وجبات أخرى
التعليقات مغلقة.