السلفية الإلحادية 5 ” بين العقل الشرقى والعقل الغربى “… د. أحمد دبيان
هذه السلسلة من المقالات تعبر عن وجهة نظر الكاتب دون أدنى مسئولية على الجريدة
السلفية الإلحادية 5 ” بين العقل الشرقى والعقل الغربى “
د. أحمد دبيان
” الشرق شرق والغرب غرب “
واحدة من المقولات التحليلية للكاتب الإستعمارى البريطانى رديارد كيبلنج يحدد فيها ما يزعم انه الخلاف الجوهرى بين الشرق والغرب .
ربما لم يجانب كيبلنج الصواب وان كان لم يفصل كثيراً فى اوجه الإختلاف وجوهره .
يكمن جوهر الخلاف فى العقل الغربى والعقل الشرقى .
العقل الغربى عقل جدلى غير تسليمى ولربما لهذا كانت صيغه الايمانية منذ البداية تتسم بالتعددية فزيوس كبير آلهة منتقص الاختصاصات مهامه موزعة على الآلهة الأخرى فى صراع وتنافسية ومكايدة ، على الطرف الآخر وفى الشرق ومع التسليمى كان آمون كبير آلهة مهيمن محتجب تدور الآلهة الأخرى فى فلكه وتنبثق منه فى انعكاس لهيمنة الفرعون فى مجتمع زراعى تشرب المركزية مقابل امارات اغريقية متعددة تتحاور وتتنافس وتتحارب .
العقل الشرقى عقل تسليمى غيبى احتجابى منذ البداية مقابل العقل الغربى الجدلى المجسد المادى .
حلل العلامة ابن خلدون المجتمعات الشرقية متحدثاً عن العرب قائلا :
( لا يسوسهم الا نبى )
وان كان فاته ان الحضارات الشرقية كلها استحضرت الإله وجسدته فى القرار السياسى ، فكان الفرعون الاله ، وكان كسرى انعكاساً وظلاً لإرادة الإله على الأرض ومن هنا كانت اصول نظرية الحكم الالهى التى احتضنها الغرب بعد ان صدر الشرق مخرجه الدينى بعد احتضانه للديانات الإبراهيمية فى صيغة المسيحية التى تبناها قسطنطين دعماً لحكمه وامبراطوريته .
سقط العقل الغربى اسيراً للعقل الشرقى التسليمى وسيطرت الكنيسة على مقدرات الناس وافكارهم وارواحهم .
فكان الخلاص الاخروى المرتهن بارادة الكنيسة ذراع السيطرة الدنيوية بصيغ لصكوك غفران وبيع دنيوى لفدادين الجنة . ليأتى اول معول هدم للعقل التغييبى المصدَّر فى القرن السادس عشر على يد الراهب الألمانى مارتن لوثر والفرنسى كالفن وليفيق العقل الشتاتى اليهودى بعدها بفيلسوف مجدد مثل سبينوزا .
ما يثير الإستغراب بأن الشرق كان الأسبق فى محاولة كسر الإسار التسليمى التغييبى بفضل دخول الفلسفة اليونانية بعد احتكاك العرب بالحضارات صراعاً مع الحضارة الرومانية فكانت المدرسة العقلية المعتزلية التى أسست لعلم الكلام ليبدأ صراع عنيف جدلى لم يحسم حتى اليوم بين المدارس السلفية التقليدية التى دأبت دفاعاً عن مصالحها المرسخة بتقديس النص وبين مدرسة علم الكلام المعتزلية والتى تنتهج إعمال العقل فى النص.
ما يثير الإستغراب فشل المدرسة السلفية فى الدفاع عن الإسلام فى حواراتها مع الملاحدة والدهريين ، ورغم تفوق المدرسة الكلامية العقلية المعتزلية فى إدارة هذا الصراع الفكرى الشائك ، إلا ان العقل الشرقى ظل دائماً يجوب المسافات عودة للماضوية مع كل حركة تجديد عقلى تلقى حجراً فى أسن الفكر السلفى التغييبى .
التعليقات مغلقة.