الشوارع وتيه الهويات …د.أحمد دبيان
الشوارع وتيه الهويات ….د.أحمد دبيان
للشوارع روح ، و للأماكن حكايا ، كما للمدن شخصيات .
نستطيع ان نستوعب ونتفهم ان تتسمى احياءاً او مدناً او عواصم او مملكات بأسماء ابطالها وشهدائها او مؤسسيها ، او ان تتسمى هاته المدن بأسماء شخصيات عالمية وابطال محررين استلهاماً لإسهاماتهم الانسانية .
اما ان تتسمى احياء ومدن وموانئ بأسماء الخونة والقتلة والمحتلين ، فهذه ظاهرة اختصت بها مصر عبر تاريخها القديم و الحديث ، والذى اختلطت فيه الرؤى ، وتاهت فيه محاولات تأصيل الهويات .
الشوارع والمدن والاحياء فى مصر المحروسة يختلط فيها عبق التاريخ ، فرعوني ، يونانى ، فاطمى ، ايوبى ،
ليختلط تيه الهويات بالعثمانلى او البريطاني .
اسماء قد تحتاج لمجلدات ، لتسطر روح الحكايا والتسميات .
من سنان باشا المهندس التركى ، لشارع المعز الفاطمي ، لسليم الاول الغازى الذى تم نزع اسمه مؤخراً .
ومن
Lazarette
باللاتيني ومعناها مستعمرات جذام ، ومنها جاءت تسمية الأزاريطة ،
لل
Piazza
او الميدان بالايطالية ومنها جاءت تسمية حى
البياصة بالإسكندرية .
لباخوس اله الخمر والزراعة عند الرومان ،والمستعار من ديونسيوس الاغريقى .
ومنه جاءت تسمية حى باكوس بالإسكندرية ،
كل هذا أستطيع ان أتفهمه ، ببلد تنازعتها مطامع قوى وامبراطوريات منذ باءت حضارتها الغابرة بكل أطوار الحضارة من طفولة وفتوة وكهولة وشيخوخة ، فأثرت فى غزاتها ، ومصرت بعضهم .
ما لا أتفهمه حقاً ان يتم تسمية شوارع واحياء وموانئ ومدن ، بأسماء محتلين وخونة .
ومن كامب شيزار
Camp Cesar
موقع تمركز قوات يوليوس قيصر اثناء غزوه لمصر .
لحى ونجت ، والمسمى باسم ريجنالد وينجت الحاكم الانجليزى للسودان ، والمندوب السامى البريطاني فى مصر وحاكمها الفعلى بعد اعلان الحماية والسلطنة عام ١٩١٧.
لبور توفيق المسمى باسم الخديوى توفيق الخائن الذى جلب الاحتلال لبلاده .
لحى البيطاش المسمى باسم عبد المجيد بك البيطاش احد أعضاء مجلس النواب الذين خانوا عرابى ، وانضموا للإنجليز والخديوي توفيق الخائن .
لحى زيزينيا ،
والمسمى باسم الكونت زيزينيا ،
Count Zizinia
قنصل بلجيكا العام فى مصر ،
والذى لمس ضعف سعيد باشا وسخاؤه وتقديره العميق للأجانب ، فسول له جشعه ان يدعى أن محمد على كان قد وعده وعداً شفوياً ان يمنحه امتياز الإشراف على إدارة مرور البضائع فى مصر ، ولم ينفذ لا هو ولا خلفاؤه …..وطالب سعيد بتعويض ثلاثة ملايين جنيه ، فعرض الخديوى سعيد تخفيض التعويض لثلاثين الف جنيه ولكنه رفض العرض ….
وإزاء الالحاح والضغط والتهديد والذى أيده فيه القنصل الفرنسى ،منحه امتياز جباية رسم مرور السفن عند الهويس المنشأ عند اتصال ترعة المحمودية بميناء الاسكندرية ….
وكان هذا الامتياز الجديد يدر على القنصل ارباحاً سنوية بلغت ثمانية آلاف جنيه …..
وحين سحب سعيد هذا الامتياز منه عوضه بمنحه ١٣٠الف جنيه عداً ونقداً …..
وبينما نجد للناهبين والافاقين مساحات كبيرة فى تسمية المدن والاحياء والموانئ .
نجد الأبطال الوطنيين يتوارون فى الظل ، رغم انهم بذلوا الغالى والنفيس لتتحرر مصر وتعود مصر للمصريين .
فبينما لا نجد مدنا كبيرة بأسماء البطل أحمد عرابى أو محمد عبيد أو عبد الرحمن بك فهمى .
نجد من ينزع اسم جمال عبد الناصر من الاستاد الذى أنشأه ، ويغيره لاستاد القاهرة .
ونجد من ينزع اسمه من فوق السد العالى ، بل ويضرب بمعول الحقد والانتقاص فى فائدته على مصر وحمايتها فى سنوات الجدب والجفاف .
وأخيراً نجد من يزيل تمثاله فى خطوة أولى ، ويغير مكانه من مدخل الصرح الاعلامى الذى أنشأه بماسبيرو تمهيداً لمحو اسمه من أضابير وسجلات التأسيس .
هل هذا ميراث مملوكى ام فرعوني ، بان يتم محو سجلات الحكام والفراعين السابقين ؟
ام انه ميراث بيبرسى ،
بان يغتال المملوك الحالى المملوك السابق صانع المجد والانتصار ، ورغم هذا يمد له الأتابك والنَّاس والجند ، الايادى للمبايعة .
التعليقات مغلقة.