“الشيخ بلال “قصة قصيرة بقلم أحمد فؤاد الهادي …مصر
عندما ارتقى الخطيب المنبر ليلقي خطبة الجمعة، وجدتني أطالع وجهه مشدوها، إنه هو، إنه بلال، هذا الصبي ذو البشرة السمراء العاجية والشعر المجعد والأنف المفرطح والشفاه العريضة، أنه هو، ولأول مرة أربط بين اسمه وشكله، لابد أن أهله اختاروا له بلالا اسما تيمنا بسيدنا بلال مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم.
طرحت تلك الأفكار جانبا حتى أنصت للخطيب، فلما قضيت الصلاة وبدأ المصلون في الانصراف عدا من تجمعوا حول الإمام يبادلونه التحايا ويغمرهم بالدعاء، انتقلت إلى مجلسهم، عندما انصرف آخرهم كنت قد أصبحت متيقنا بأنه هو بلال بشحمه ولحمه.
لم يتعرف على، اقتربت منه وهمست: فضلا يا مولانا، أود أن أصعد المئذنة.
التفت صوبي مندهشا وهو يسألني: لماذا يا أخي؟
قلت: حتى يسمعني الله.
تهلل الرجل واتسعت حدقتاه وهو يملأ عينيه بوجهي قافزا من قعدته محتضنني بشدة وهو يبكي ويضحك في آن واحد: مصطفى بركات … الله أكبر … الله أكبر.
كانت الأيام الآواخر من شهر رمضان قبل ما يزيد عن ثلاثين عاما، وقد ارتقى الشيخ دسوقي والشيخ عبد الله والشيخ سعيد مئذنة ذلك المسجد بعد أن انقضت صلاة التراويح، يصدح صوتهم بالتواشيح بلا مكبرات صوت، فينصت الجميع، بل هناك من يتنصتون حتى يتصيدوا ولو القليل من هذا الجمال.
-ما أوحش الله منك يا شهر الصيام.
ما أو حش الله منك يا شهر البركات.
ما أوحش الله منك يا شهر القيام.
الصبية يتجمعون حول المسجد تتراقص في أيديهم فوانيس ملونة لا ينافس ضياءها ضياء، ويحاولون ترديد بعض الكلمات والألحان خلف المنشدين.
صغير كان بيننا أشار إلي أن أنحني حتى يكلمني، فلما أتصت له قال: أود أن أرتقي المئذنة مثل هؤلاء الشيوخ. تعجبت من طلبه وسألته عن السبب.
قال ببراء: حتى يسمعني الله عندما أكون قريبا منه.
وكأن هذه كانت كلمة السر التي شغلته ودفعته في طريق العلم … نعم إنه بلال ..هو الشيخ بلال.
التعليقات مغلقة.