الطبقية المستدامة فى مصر بقلم د.أحمد دبيان
الطبقية المستدامة فى مصر بقلم د.أحمد دبيان
لن نجد وسط شعوب العالم شعبا تضرب الطبقية فى جذوره وأعماقه وتتحكم فى سلوكه ومفرداته مثل الشعب المصرى.
قد يعزو البعض ذلك الي طول العهد بالإقطاع والاحتلال وقربه التاريخى .
وقد يكون ذلك فعليا ان المجتمع المصري وطوال تاريخه ظل مجتمعا اقطاعيا طبقيا فى تركيبته البنيوية .
منذ عهد الفراعنة ومع حضارة نشأت نتيجة لوادى خصب ومجتمع زراعى غير محارب فى نواته الغالبة نشأت الحاجة الى سلطة مركزية وفرعون ( برعا ) صاحب بيت يحمي بجيش هو اداته الأساسية لبسط النفوذ والحماية ولردع هجمات البداوة القادمة لتجتاح الوادي .
صار المجتمع العسكرى الحامى نخبويا طبقيا ، وبالتوازى صار الاقتراب من هذا المجتمع يعنى صعودا اجتماعيا وهو ما نجحت فيه بعض الفئات التى منحت الفرعون سلطانه الديني والدنيوى فظهرت طبقة الكهانة والتي افرخت علوم الهندسة والطب باعتبارها علوم خدمية تمنحهم السلطوية الدنيوية والنفوذ مدخلا للنفاذ لقلب السلطة السياسية.
فكان الدين والعلم المخدم علي السلطان مدخلا للصعود الطبقى الكابح لاي مفردة من مفردات الدفع الاجتماعي ، بحيث يصبح الصاعد اجتماعيا عائقا وسدة معطلة لاي منظومة للدفع الاجتماعى للآخرين .
لم يختلف الحال كثيرا بعد سقوط آخر ملوك الأسرة السادسة والعشرين بسماتيك الثالث والذي شهد صعودا لطبقة المرتزقة الاغريق كطبقة عسكرية مملوكية مبكرة فشهد العهد الإغريقي والبطلمى بعد الاحتلال الفارسي القصير صعودا للطبقية الاغريقية الحاكمة المتحالفة مع الطبقية الدينية التى سرعان ما غيرت ولاءاتها فى معادلة شبه ثابتة لتضفى القداسة على السيد الجديد حتى ولو كان اجنبيا حفاظا علي مكتسباتها الطبقية ، فكان التعميد للإسكندر المقدوني في معبد آمون بواحة سيوه طرف المعادلة الشبة ثابتة في علاقات الكهنوت بالسلطة فى مصر.
مع دخول الرومان و بزوغ فجر المسيحية ورغم الاضطهاد المذهبى المبكر ظلت المعادلة الطبقية السلطوية والدينية شبه ثابتة ليستمر الحال بعد دخول العرب لمصر فكان الاقتراب من السلطة صعودا اجتماعيا لفئات بعينها فى اطارها الخدمى المرسخ للسلطة والكابح فى الوقت ذاته لاي حراك اجتماعى فى منظومة كليه قد تسمح بدفع اجتماعى عام متوازن قد يهدد مصالح الطبقية الجديدة الناشئة.
مع بزوغ فجر دولة المماليك ظهرت طبقة الخونتا العسكرية كرد فعل علي نظام النبالة الأوروبى المهدد عسكريا للشرق والذى كان قوام الحملات الصليبية.
ورغم الاحتقار والازدراء الداخليين لفئة الارقاء الذين صاروا ملوكا في عقد اجتماعى فريد من نوعه يمنح الحكم لمن يتولى الحماية اختلف الامر فيه ان الفرعون الاله صار مملوكا مسترقا تم منحه حريته ، ظلت منظومة الاقتراب من السلطة من فئات النصف في المائة معادلة شبه ثابتة لتحقيق الصعود الطبقي .
رغم الغزو الفرنسى فيما يطلق عليه تجميلا الحملة الفرنسية ظلت نفس المنظومة هى الحاكمة فكان اقتراب البعض من طبقة الشيوخ من الغازي الفرنسى مثل الشيخ خليل البكري وابنته زينب البكرية مفتاحا جديدا للصعود الطبقي الغاض البصر حن حقيقة ديانة المحتل وارتضائه بالشكل الطقسي للدين في ذات المعادلة التي ارتضت ترسيم الاسكندر ابنا لامون بادعاء قبول وتصديق تحول نابليون للاسلام فى قاعدة شبه ثابته اصطنعها كل غازي من نابليون وصولا للحاج محمد هتلر .
ظل الصعود الطبقي الكابح هو المفتاح لفهم المجتمع المصري وتجلى اكثر زمن الوالي محمد علي واستقدامه لقواده ومحظياته واقطاعه الاراضى التي استولي عليها لحساب نفسه بقانون الاحتكار فكان نشوء الاقطاع الاجنبى بمفرداته من اكراد وابخاز والبعض من المصريين الذين كانوا يكملون الاطار الخدمي للسلطة ممن وفر لهم الحظ الاقتراب منها ( اسماعيل المفتش نموذجا ) والذي لم تتورع منظومة السلطة على التصفية المباشرة العنيفة لهذه العناصر اذا ما تم تهديدها او المساس بمطامعها .
ترتب علي الصعود الطبقي الكابح لتلك الفئات الخدمية من المصريين صدام نفسي عنيف لطبقة صاعدة من سلم اجتماعي ادني لاخر اعلي بحكم الاقتراب من السلطة ما جعلهم ( ملكيين أكثر من الملك ) مع محاولة اضفاء الماكياج الطبقي بتطعيمات لغوية سطحية او استجلاب قشور الثقافة الغربية وانحرافاتها احيانا دليلا علي الارتقاء الاجتماعي وتنكرا وانكارا للاصل المتواضع حتى ولو كان اكثر شرفا ومحتدا مراعاة للسيد الالبانى او التركي والذى لا يري في عنصر المصريين الا خدما وفلاحين وجودهم في اطارهم الطبقي وتعطيل اي منظومة لدفعهم الاجتماعي جزء اصيل من اكتمال منظومة السيادة والتسيد.
مع قدوم الاحتلال الانجليزي والذي استعار المنظومة الطبقية المصرية الكلاسيكية فكان تعيين الشيخ محمد عبده من قبل اللورد كرومر الحاكم الفعلى للمحروسة والذى اسس فيما أسس مجلس ادارة نادي الجزيرة قاصرا العضوية على ضباط الجيش الانجليزي والمصريين المتعاونين مع الاحتلال بامر شخصي منه وممثل السلطة الانجليزية من بعده .
بتغيير ظروف مصر السياسية صدر قرار الرئيس جمال عبدالناصر، الذى كان رئيسا لمجلس الوزراء حينئذ فى ١٨ إبريل سنة ١٩٥٦ بتخصيص مساحة من أرض نادى الجزيرة الرياضى للمنفعة العامة، لتكون مركزا للنشاط الرياضى لجمهور الشعب ولتوسيع معهد التربية البدنية للبنات، وتم بالفعل استخدامها لصالح الشعب .
وفى ٦ يونيو ١٩٥٦ وافق عبدالناصر على المذكرة المقدمة من محمد حسن جميعى، رئيس اللجنة المؤقتة لإدارة نادى الجزيرة الرياضى، بشأن احتفاظ النادى بمساحة إضافية من الأرض لتيسير قبول أكبر عدد من الأعضاء، مع تحرى الدقة فى اختيار الأعضاء الجدد على أسس قومية سليمة، مع تخفيض رسوم الدخول، حتى لا تكون الناحية المادية عقبة فى سبيل الالتحاق بالنادى واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتسهيل اشتراك الرياضيين الممتازين أو الذين يُنتظر منهم الوصول إلى درجات رياضية عالية، وتم تسليم مساحة من أرض النادى للمجلس الأعلى لرعاية الشباب فى ٢٠ فبراير ١٩٥٧ لتصبح مساحة نادى الجزيرة الرياضى ٥٢ فدانا ١٧ قيراطا و١١ سهما.
وفى عام ١٩٥٣ حل الرائد (الصاغ) أحمد مراد محل مستر «بيلى» سكرتيرا للنادى، وتم اختياره لسببين، الأول لرغبة الدولة فى أن يتولى الإدارة مصرى، والثانى لأنه ضابط بالجيش، ورياضى، وصاحب خلق رفيع، وكان «الميجور»، كما أطلق عليه الأعضاء آنذاك متزوجا، ويسكن فى جاردن سيتى، فانتقل إلى مقر إقامة سكرتير النادى بالفيلا المجاورة للجانب الغربى، والمشغولة باللجنة الثقافية حاليا، وكان يبلغ من العمر ٣١ سنة. وشارك «الميجور مراد» فى المسؤولية عدد من المراقبين (الكنترول)، الذين أصبحوا تدريجيا من المصريين، وكانت جميع الصلاحيات معطاة لهم.
يؤرخ هذا التاريخ الى بدء قبول اعداد كبيرة من المصريين فى الناديين دون احتياج إذن معتمد بريطانى أو تزكية أحد الباشوات.
ظلت معادلة الصعود الطبقى الكابح المتنكر للمحتد والاصل المتواضع وان كان شريفا هي الحاكمة مع تزايد معادلة الاصباغ الكثيفة للماكياج الطبقي لينتشر مع الطبقية الجديدة دعاة الفضائيات مترادفين مع ايقونات الجنس الاحتفالى في استدعاء سطحي لقشور الحضارة الغربية بعد الحراك الاجتماعي الذي صاحب الخمسينات والستينات والمنتهي كبحا بعد الردة السبعينية .
التعليقات مغلقة.