الطريشه….
بقلم سيد جعيتم
ـ الطريشه
- احترس من الطريشه
كانت تلكَ وصيةُ أبي وهو يودعني قبلَ سفري لموقعِ عملي بالصحراءِ جنوبَ مصر.
يتكلمون عنها بخوفٍ ويستعيذون باللهِ منها، فتلكَ الحيةُ الرقطاءُ ضمنَ الشياطين، فهي تكمنُ خلفَ كلِ حجرٍ، تتحينُ الفرصةَ لتهاجمَ، ولا علاجَ للدغتِها إلا ببترِ العضوِ المصابِ قبلَ أن يسري سمُها في باقي الجسمِ.
الطبيبُ بعد أن تأكدَ من إيجابيةِ المسحةِ، يكتبُ بروتوكولَ العلاجِ ويصدرُ تعليماتَه. ـ مخفضٌ للحرارةِ وقتَ اللزومِ، وقياسُ نسبةِ الأكسجينَ في الدمِ كلَ ساعتين.
تنظرُ إلي من خلفِ حصنِها الحجري برأسِها الشيطانِي رافعةً قرنيها، تكورَتْ استعدَّتْ للانقضاضِ، زلزلني الخوفُ، ارتجفتُ بشدةٍ، طعمٌ مالحٌ تسللَ لحلقي مع قطراتِ عرقي، يمرُ الهواءُ أمامَ أنفي لكنَّه استعصى على دخولِ صدري، صرختُ، تَحَولَ صراخي لسعالٍ . أشعرُ ببللِ الكمادات.
خالتي تضاحكُ أمي:
ـ لفي رأسه بمنديل أحمر وهاتي إخوته ياخدوا منه العدوى دفعة واحدة وترتاحي، علاج الحصبة سهل شوية مية شعير منقوعة في صينية القلل، يقوم زي الحصان.
كلماتُ طاقَمِ العلاجِ تداخلَتْ مع صوتِ خالتي.
. ـ حرارتُه انخفضَتْ، تنفسُهُ غيرَ منتظمٍ، لابد من وضعهِ على جهازِ التنفسِ الصناعي.
موكبُ طَهورِ أخي الأصغرِ يمرُ أمامي، يركبُ حصانًا ويلبسُ جلبابَا أبيضا وعلى رأسِهِ عقالٌ عربي، عطرَتْ أمي ثيابَنا، لكنني فقدتُ حاسةَ الشمِ. خالتي ترشُ المِلحَ في عيونِ الحساد، أصابت حبةُ ملحٍ عيني، أيقظَني الألمُ.
اتصلوا بالطبيب.
ـ استرَدَ المريضُ رقم خمسةِ آلافٍ وعيَه
. تسيطر عليَ صورتُها وقرناها لأعلى وتستعدُ للانقضاض، يسري سُمُها الناقعُ في كلِ جسدي، ارتجفُ رغمَ ارتفاع حرارتي، سألتُ عن العضو الذي سيبدؤون في بتره، لم أسمعْ إجابةً فهم يظنونَ أني في غيبوبةِ.
نفقٌ مظلمٌ ينتهي بضوءٍ، يطلُ وجهُ أمي تشيرُ إلي:
ـ تعالْ.
أرتفعُ في جوِ الحجرةِ وجسدي مازالَ مسجيً علي السريرِ، معلقّا في الهواءِ. يبذلُ الأطباءُ جهدَهم، كلما نجحوا أهبطُ تجاهَ جسدي، وإن ظَلَلتُ معلقا
. بقلم سيد جعيتم
جمهورية مصر العربية
التعليقات مغلقة.