العارف بالله والعارف بالشيطان
بقلم د.أحمد دبيان
العارف بالله فلان الفلانى .
المعرفة هنا وعند المتصوفة تعنى أعلى درجات الهرم الصوفى .
فللمتصوفة مراتب ودرجات، تختلف حسب قدرة الواحد منهم على الوصول إلى الله، من وجهة نظرهم؛ فمن محب يجتهد في معرفة الله، إلى عارف وصل واستقر في مقام «العارف بالله»، والقادر على الأخذ بأيدي المريدين إليه.
و«العارف بالله»، ليس مفهوما صوفيا فقط، بل هو مصطلح شرعي أيضا، تستخدمه بعض التيارات الدينية المختلفة للدلالة على الشخص المتبحر في العلوم الشرعية؛ إلا أن للصوفية رؤية خاصة بها حول هذا المصطلح، فهم لا يقيسون العارف بالله بمقدار معرفته بالعلوم الشرعية، فقد يكون عالما في الأمور الشرعية وليس عارفا بالله، ومعيار المتصوفة هنا هو الجانب الروحي.
ويربط الصوفية المعرفة بـالإلمام بعلوم الحقائق والأسرار ، لأنها في مفهومهم نور البصيرة ، وفهم العلم الشرعي يكون بـ«الوجدان»، وليس بالعقل وحده، ويرتبط بهذا المصطلح مفاهيم أخرى، مثل الكشف والإلهام، وهي أمور يعتقد الصوفية في أن الله يمن بها على عباده المقربين فيكشف لهم الحُجب، وينير بصيرتهم ليروا ما لا يراه الآخرون.
وتحدد الصوفية الطريق إلى الوصل لدرجة «العارف بالله» بالاجتهاد، والإخلاص في العبادة، حتى أن هناك عبارة يرددها المتصوفة، تقول: «جاهِـدْ تـُشـاهِـد»، ويقصد بها أن الترقي في الدرجات يرتبط بمدى الاجتهاد.
العارف بالله تعنى الذى أوتى العلم الوهبى وهى مرتبة لا تتأتى الا للأنبياء أو من جاهدوا وتعلموا وسلكوا سبل العلم الكسبى وهو جزء أصيل من العلم الكلى وبه يفيض الله على المجتهد منهم فيلهمه وبعقله طرقاً ودروباً لم يرتدها أحد قبله فى أمور العلم الكسبى الوهبى .
قد يكون العلم الكسبى علماً دنيوياً أصيلاً أو تأويلاً لمعانٍ لم يرتدها أحد من قبل أو تأويلاً فقهياً تفسيرياً يحتمل ما يحتمله الإجتهاد البشرى ، وقد يتأتى على شكل الفتح العلمى كاكتشافات الذرة والنسبية والفيمتو .
العارف بالله هنا هو العارف بمعونة الله وفى معيته ، وهو هنا العالم بالطب العامل والمشتغل فيه لخدمة الإنسان والبشرية دون انحياز جنسى او لونى او دينى ويمتد العارف بالله ليشمل العلماء الذين اضافوا الكثير للبشرية من نيكولا تيسلا لألبرت أينشتين لمجدى يعقوب لأحمد زويل وحتى ستيفن هوكينج بغض النظر عن خلفياتهم اللاهوتية أو إنكارهم لفكرة الإله .
هؤلاء هم من نهلوا العلم الكسبى وافاض الله عليهم سبر دروب العلم الوهبى ليصبح كسبياً .
فالعلم الكلى الإلهى هو مصدر معارفنا التى علمها الله فى لا وعينا أبينا آدم فميزه عن الملائكة ، وصار ميزان استحقاقنا للخلافة الأرضية هو مدى قدرتنا على الإجتهاد فى سبر علوم وقوانين الطبيعة والخلق والتى خلقها الله بقدر ونظام وقوانين .
العارف بالله هو العالم الحق الذى يتبع المنهج العلمى البشرى الذى لم يرد فى شرائع او اديان وانما هو شئون الدنيا التى امرنا الرسول بسبرها ووضعها وتدبرها .
العارف بالله اينشتين والعارف بالله مجدى يعقوب والعارف بالله نيقولا تيسلا والعارف بالله أحمد زويل ، هم الأئمة الذين نلتجئ اليهم حين تستعصى علينا عقبة أرضية نحاول تذليلها بقوانين العلم البشرى الكسبى المجزوء من العلم الكلى .
على الطرف الآخر من يزعم بفيوضات العلم الوهبى فيما بعد انقطاع الوحى ويقحمها فى مسائل العلم الكسبى بعد ان وجدنا متنفسنا كشرق تم اجتياحه حضارياً وثقافياً فى منهجة الدجل علمياً والزعم باعجاز علمى دينى هنا يحضرنا منهجية المعرفة بالشيطان .
العارفين بالشيطان فى عهود الإنسحاق الوعيي والحضارى والدينى لن يزجوا بضاعتهم بارتداء قرنى بلعزبول او بأرجل ماعز على جسدهم البشرى .
العارف بالشيطان سيأتى كما قال السيد المسيح مرتدياً اردية الحملان على جسده الذئب ، فيسخر الرداء الدينى ويطعم مفرداته بالتعبيرات الدينية التغييبية ، ليفرغ الدين كمنهج حركة وفعل وعمل وتطور من محتواه ويلقى بالعقل المزمع غزوه فى غياهب الخرافة والدجل والشبق معطلاً اياه عن حتى ايجاد خط البداية لمعرفة الله وعلمه الذى خلق العالم به وعلمنا اياه فى لا وعينا مانحاً من يرتاد الطريق من البشر القدرة على استنباطه وسبره واكتشافه.
وها نحن فى ازمنة الانحدار الحضارى فى شرقنا الاوسط المثقل بالخرافة والتغييب تحاصرنا دياجير العارفين بالشيطان لينطلق العالم بالعارفين بالله نحو الخلافة الأرضية التى خلق الله الإنسان موكلاً بها .
التعليقات مغلقة.