العبور بقلم محمد كمال سالم
بسم الله الرحمن الرحيم
اليوم هو العاشر من رمضان, كلما عاد هذا اليوم ووجدني على قيد الحياة, سيجدني على تلك الحالة من الوجد, من الشغف لسماع المزيد من القصص لهذه الملحمة المصرية والانتصارة القوية التي أيدنا بها الله عز وجل في شهر الصيام والقران
“عبرنا الهزيمة”
كان”مانشيت”جريدة الجمهورية حينها, وكان أول عدد اشتريته من مصروفي الخاص, كان عمري وقتها لم يتجاوز الثالثة عشرة عاما, لكني كنت مدركا، ماذا تعني إسرائيل, وماذا تعني كلمات: الهزيمة, النكسة, فقد كانت ست سنوات من الغم, هناك شهيد في كل بيت“عبده”إبن خالتي ومنهم من ينتظر الشهادة على الجبهة, ولا يزال, بل إنه عادل إبن عمتي على قيد الحياة شاهدا, فقد كان ضمن القوات المحاصرة في السويس وأحداث الثغرة في”الدفرسوار”.
كانت لا تخلو جلسة للكبار من هذا الحديث, ولا نُكتة إلا وتسخر من هزيمتنا, وأذكر أنه أنا و”علاء” أخي الصغيرجرينا مع أطفال الشارع لنشاهد الزعيم جمال عبد الناصر يمر من شارع بور سعيد, أمام مديرية أمن ألقاهرة في طريقه للجامع الأزهر في سيارته الكاديلاك السوداء المكشوفة, ما كان بيننا وبينه إلا بضع خطوات, وكان يرد على الرجال تحيتهم وأسئلتهم.
وسِكت الكلام والبندقية اتكلمت( الأبنودي)
سرور حذِر على الوشوش, الإعلام ضللنا في67 والناس فقدت الثقة في قدرة بلادها على المواجهة والثأر؛ حتى جاء البيان الأول في العاشر من رمضان،السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، في الساعة الثانية وعشرة ظهرا, الذي يقول: إن قواتنا الآن تقوم بالتصدي لهجوم قوات العدو في العين السخنة والزعفرانة في خليج السويس, ثم البيان الثاني أن قواتنا قامت بالرد على الهجوم الغاشم بقذف العدو على الجانب الشرقي بالمدفعية الثقيلة ومدفعية الميدان, ثم البيان الثالث أن قواتنا المسلحة عبرت إلى الجانب الشرقي لقناة السويس على طول القناة, واقتحمت خط بارليف المنيع, ثم توالت الأنباء بعد ذلك بانضمام الجيش السوري للمعركة.
لقد ذاكرت هذه المعركة في سن مبكرة, حتى حفظت تفاصيلها وكأنني كنت معهم, أشاركهم هذه الملحمة العظيمة, وأجزم أنني أستطيع شرحها بكل تفاصيلها حتى تاريخ وقف إطلاق النار, ومحادثات الكيلو 101, وليت المجال يسعفني هنا, ويكفيني فخرا إني كنت أدرسها لأبنائي فيما بعد بالرسم والشرح التفصيلي في كراسات الرسم الخاصة بهم, كلما جاء أكتوبر بالذكرى العظيمة.
ولما التحقت بالجيش, وكان هذا بعد الحرب ب15 سنة كاملة, رحت أفتش عن من عايشها, حتي أسمع وأستزيد, لم يكن هناك الكثير, حتى قادة الكتائب ورؤساء العمليات لم يكونوا قد لحقوا بها, إلا بعض جنود الصف القدامى الذين حضروا المعركة, سمعت منهم عن قصص البطولة, ما لم يذع إلى الآن.
ربما يتهمني البعض بأن حديثي هنا, نابع من عاطفة فردية, وأن العقل الجمعي قد تغير, وربما وافقتهم الرأي, فنحن نعيش عصرا, قوضت فيه كل ثوابت الأمة من أجل مصالح سياسية زائلة, حتى ثوابت الدين لم تسلم من أن ينتهكوها, ولكن هذا تاريخ أمة بأسرها, ساهم فيه بعض القادة بإخلاص, ربما أخطؤوا القرار أو التقدير فيما بعد, ولكل توجه ورأي مختلف أتكلم عن هذه المرحلة تحديدا.
ولمن لم يعش تلك الحقبة أحب أن أخبره, أن هذه الحقبة من عمر الأمة العربية, شهدت اتحادًا بين دولها، لم يكن له نظيرٌ في تاريخها طولا وعرضا, فقد شاركت كل الجيوش العربية من المحيط إلى الخليج, المعركة, حتى أصبح الجيش العراقيالجزائري،المغربي، السوداني يعتبر أنها معركته, وإنه يمتلك هذا النصر.
ولا ينبغي أن ننسى دور المملكة العربية السعودية متمثلة في الملك”فيصل بن عبد العزيز”رحمه اللهعندما أوقف ضخ البترول لأمريكا ودول الغرب, فكان سلاح ضغط رهيب في قرار وقف إطلاق النار وبدء المفاوضات.
وأخيرا: كنت قد أعددت لحضراتكم مقاطع موثقة, من اعترافات رئيس وزراء إسرائيل”جولدا مائير”, ووزير الدفاع”موشى ديان”ووزير خارجية أمريكا”هنري كيسنجر”بالهزيمة صراحة في مذكراتهم، بل إنها كانت سببا في إنهاء مستقبل ساسة وقادة منهم؛ لكني خفت الإطالة على حضراتكم أكثر من ذلك, خاصة وأنها متاحة الآن في الكتب وعلى جوجل إرث, يستطيع من يريد البحث عنها.
إن من ينكر على الأمة هذا النصر, إنما يهدر دم عشرات الألاف من الشباب العربي, وقد جاد بها مؤمنا مخلصا في سبيل الله والوطن.
اللهم اهدنا وإياكم سواء السبيل.
كل عام وحضراتكم بخير.
صور من مذكرات موشى ديان
التعليقات مغلقة.