د.أحمد دبيان
العثمانيون والمماليك والسلطان الذى لم يعد حائراً.
ينتشر اليوم طرح جديد موجه بأن المماليك والعثمانيين يشتركان ، فى انهما قوة دخيلة تحكمت وحكمت المصريين بلا إنحياز اجتماعى لأهل البلد الأصليين وان الاثنين كانا قوة غزو متحكمة الشعب فيها خارج دائرة الإهتمام اللهم إلا بقدر استنزاف الشعب كطبقة عاملة مسخره لمنافع الإقطاع المملوكى أو العثمانى .
وهذا الطرح الموجه هو انعكاس لحالة صراع فكرى لشريحة من جيل تم تغذيته فكرياً على تاريخ بنى عثمان ووهم خلافتهم كقوة لحساب الإسلام ، وان سقوط الخلافة كان الطامةالكبرى التى منى بها الشرق تواجها شريحة أكبر جاءت نتاج مشروع التحرر الوطنى الذى بدأ مع القومية العربية ، وإرهاصاتها بالثورة العربية الكبرى فى طفولتها المستغلة من الإستعمار والتى استخدمتها القوى الدولية لبدء تجزئة كعكة الرجل المريض المؤجلة من القرن الثامن عشر ، وتبلور بنضجه فى الخمسينات والستينات حين استعادت مصر ريادتها ليصبح مشروعاً تحررياً تقدمياً ولينتكس بإطلاق سعار التيار اليميني المتطرف فى السبعينات لضرب التيارات الناصرية واليسارية حاملة المشروع النضالي للقومية العربية .
يختلف المماليك كخونتا عسكرية وطبقة أسبرطية أنهم بالفعل قد تمصروا ، ورغم انهم لم ينحازوا اجتماعياً الا بمقدار صلاح وزهد هذا السلطان او ذاك ، الا انهم تربوا على ان مصر هى الوطن والمركز وان بقاءهم مرتبط بالدفاع عنها والذود عن أراضيها ومصالحها وفى هذا هم يختلفون عن العثامين العثمانيين الذين كانوا يرون فى أنفسهم جنساً سامياً وجب ان تخضع لهم الشعوب وان مركز الكون لديهم هو الآستانة وان مصر كما سائر بلاد الفتوحات هى محض ولاية تابعة .
المماليك كانوا يفرضون الضرائب وينهبون الأسواق فى مجتمع اقطاعى تم عسكرته انعكاسًا لنظام الأقطاع السائد فى العالم وقتها وان كانوا قد تميزوا فى عهودهم الذهبية بقدرتهم على صد جحافل اقطاع النبالة العسكرى الأوروبى فى الحروب الصليبية او صدهم لجحافل التتار بمدهم واجتياحهم الرعوى الدموى .
العثمانيون كان لهم طموحهم التمددى التوسعى وقد كانوا هم بحق المرحلة التالية لانكسار التتار وانحسارهم .
العثمانيون اعلوا المركز الرعوى عن الوادى القلب وكان همهم استلابه وتجريف مقوماته الحضارية وترسيخ تبعيته .وهنا يكمن الفارق الضخم والذى يأتى انعكاساً للصراع الحالى ما بين طابور خامس يرى فى التبعية لفكرة الخلافة الوضعية مع اضفاء القداسة عليها مجداً يحارب لاستعادته حتى ولو ارتحل القلب خارج الوادى وتم تجريفه رعوياً ، وما بين مجتمع الفلاحة والوادى الزراعى فى عقده الاجتماعى الازلى المرتضى لحكم النخبة العسكرية حتى مع الجور الإجتماعى شريطة حماية الديار وترسيخ دور الوادى القلب .
المماليك كطبقة عسكرية كان رواجهم الاقتصادى يكمن فى ريع الموقع الرابط ما بين اوروبا والهند ، فكان اعلاء شأن هذا الموقع قبلتهم وهدفهم .
العثمانيون بحرصهم على تبعية الوادى كان همهم الأكبر إضعاف الموقع المركز فلم يهتموا كثيراً بمواجهة البرتغاليين فى تحويلهم طريق التجارة العالمى المعروف لرأس الرجاء الصالح بل وأغرقوا الوادى فى إقطاع مركب يستنزف مقدراته ، فكانت الجزية السنوية الفادحة ونظام الملتزم الذى يرهق الفلاح بضريبتين واحدة لحساب السلطان الخليفة والأخرى للملتزم مع الإحتفاظ بالرشوة القانونية للوالى الذى يتغير مع كل حول ليمتص الثلاثة دماء الفلاح الفقير مسلماً كان او على دين المسيح فى مصر او العراق او اوروبا حيث كان همهم تحصيل الجزية من الجميع والتى ظلت مصر الملكية تدفعها حتى الخمسينات لتركيا رغم سقوط الخلافة العثمانية ذاتها .
الجدل الحالى مابين الافتتان بمسلسل ممالك النار ورفعه لعنان السماء وما بين المهاجمين له بزعم تزييف التاريخ رغم ان العمل الدرامى التاريخى يستعير الحدث التاريخى ويوظفه وليس من المفترض فيه ان يكون توثيقاً تاريخياً يكمن ببساطة فى الصراع المستمر ما بين انصار مفهوم الدولة
القلب والآخرين من أنصار مفهوم الدولة التابعةتحت وهم خلافة هى بالأساس محض تجريف واستلاب رعوى.
التعليقات مغلقة.