العطف والرحمه في الإسلام … محمد الدكروري
العطف والرحمه فى الإسلام
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
إن دين الإسلام دين سماحة ورحمة، وسلام للبشرية، فقد دعا إلى التراحم، وجعله من دلائل كمال الإيمان، وأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال: “والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تراحموا“، قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم، قال: “إنه ليس برحمة أحدكم خاصته، ولكن رحمة العامة، ولكن رحمة العامة“. رواه النسائى .
وإننا معاشر أهل الإسلام على اختلاف ألواننا وأجناسنا وبلداننا وأعمارنا في حاجة كبيرة إلى أن نتراحم فيما بيننا كثيرا، وأن يرحمَ بعضنا بعضًا شديدًا، وأن نكون مِن الرحماء، وأن تكون قلوبنا مليئة بالرَّحمة، إذ هذا هو وصف أهل الإيمان، فقد صح عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ” تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ” .
وقد أمرنا الله عز وجل ، في مواطن كثيرة أن نقول بسم الله الرحمن الرحيم ، فلم الرحمن ولم الرحيم؟ فقال الخطّابيّ: ذهب الجمهور إلى أن ” الرّحمن ” مأخوذ من الرحمة ، ومعناه ذو الرحمة لا نظير له فيها ، ثمّ قال: فالرّحمن ذو الرّحمة الشّاملة للخلق، والرحيم خاص بالمؤمنين.
ومن مظاهر الرحمة في دين الإسلام ، أنه دين يدعو إلى التيسير وينهى عن التعسير، ويدعو إلى الرفق وينهى عن العنف ، وشريعته مبنية على جلب المنافع والمصالح للعباد، ودرء المفاسد والمضار عنهم ، وإن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وكان يحب التيسير في كل شيء، وكان يكره التشديد في كل شيء ، وقد : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مُوسَى، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ، ثُمَّ قَالَ: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا “. رواه البخارى ومسلم .
فديننا دين يسر ولين، دين رحمة ومحبة، ولذلك دخل إلى القلوب، وعشِقته الأرواح، وافتدته المهج والنفوس ، فأين الرحمة ممن يحمل في قلبه حقدا وحسدا وبغضا لإخوانه؟ أين الرحمة ممن يؤذي الناس في بيعهم وشرائهم؟ أين الرحمة ممن يحقر الناس ويزدريهم ويسخر منهم؟
وأين الرحمة ممن يؤذي المسلمين في أموالهم بالسلب والنهب والغش والخديعة؟ وأين الرحمة ممن يؤذي المسلمين في دمائهم وأنفسهم بالاعتداء والقتل وسفك الدماء؟ وأين الرحمة ممن يؤذي الناس في أعراضهم بانتهاكها والخوض فيها بالباطل؟
والرحمة ركيزة من أهم الركائز التي يقوم عليها المجتمع المسلم بجميع أفراده، ويستشعرون من خلالها معنى الوحدة والألفة، فيصيرون كالجسد الواحد، الذي يشتكي إذا اشتكى أحد أعضائه، ويتألم إذا تألم ، وقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ” رواه مسلم .
والرحمة صفة من صفات ربنا الكريم، كتبها سبحانه وتعالى على نفسه، فَوَسِعَ بها كلّ شيء، وعمَّ بها كلَّ حي، فهو الرحمن الرحيم، وأرحم الراحمين، يداه مبسوطتان آناء الليل وأطراف النهار، يُوالي على عباده بنِعَمِه، وعطاؤه أحب إليه من منعه، ورحمته عز وجل ،غلبت غضبَه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ لَمَّا قضى الله الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي ” رواه البخارى ومسلم .
ورحمة الله عز وجل ، يُدخلها مَنْ يشاء من عباده برحمته، ولا يَبلغها أحدٌ بعمله، فلو أتى العبد بكل ما يقدر عليه من الطاعات، ظاهرا وباطنا، فلم يعبد الله حق عبادته، ولم يُؤَدِّ شكرَ نعمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ لن يُدخل أحدًا منكم عملُه الجنةَ، قالوا: ولا أنتَ يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة“. رواه البخارى ومسلم .
وإن الرحمة مِن أعظم خصال القلب، وأجمل خِلاله، وأجل مزاياه، وأشرق سجاياه، فهي تجعل المرء يَرِقّ لآلام غيره وكأنها نازلة به، فيسعى لإزالتها عنهم أو تخفيفها قدر استطاعته، فإن عجز عن ذلك تألَّم لهم، ويسعى في سَد عيوبهم وسترها كما يَفعل مع عيوبه وعثَرَاته، ويتمنى كمالَهم وصلاحَهم والتوسِعَة لهم كما يتمناه لنفسه ومَن يَعول، ولا ييأس مِن هدايتهم واستقامتهم، ويسعى بِجُهد عزيز لِتتحقَّق.
ولَمَّا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ابنه إبراهيم وهو في سكرات الموت جعلَتْ عَيْنَا رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه “وأنتَ يا رسول الله؟” يعني: تبكي ، فقال: “ يا بن عوف إنها رحمة“، ثم قال صلى الله عليه وسلم: “إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون“. رواه البخارى .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي“، وكان صلى الله عليه وسلم يرحم الضعفاء والخَدَم، ويهتم بأمرهم خشيةَ وقوع الظلم عليهم، والاستيلاء على حقوقهم، وجعل عليه الصلاة والسلام ، العطفَ بالمساكين والضعفاء من أسباب الرفق والنصر على الأعداء، فقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “ابغوني ضعفاءكم ، أي: اطلبوا رضائي في ضعفائكم ، فإنما تُرزقون وتُنصرون بضعفائكم“. رواه أبو داود .
وأما النساء، فكانت الرحمة بهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم، والرفق بهن أكثر ، والوصية في حقهن آكد، فحثّ النبى الكريم صلى الله عليه وسلم على الرحمة بالبنات، والإحسان، وكان صلى الله عليه وسلم، يرحم الضعفاء والخدم، ويهتم بأمرهم، خشية وقوع الظلم عليهم، والاستيلاء على حقوقهم، وجعل عليه الصلاة والسلام، العطف والرحمة بالمساكين والضعفاء .
ولعل القليل من المال تدخل به السرور على فقير محتاج، ويمنحك الله به جنة عرضها السماوات والأرض ، ولعل قليلا من المال تجود به على مكروب تنفس به عنه كربته وتمسح به عنه دمعته، ينفس الله تعالى به عنك كربة شديدة من كرب يوم القيامة ، فـ “اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ “.
وقَال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ” مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ” . رواه مسلم .
وفي يوم فتح مكة لَمَّا مَكَّنَ اللهُ لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، ما كان منه إلا أن أعلن عفوَه عن أعدائه الذين أخرجوه من أرضه وأتَمَرُوا على قتله، ولم يدخروا وسعا في إلحاق الأذى به وبأصحابه، فقابل صلى الله عليه وسلم الإساءة بالإحسان، والأذية بحُسن المعاملة، ولَمَّا بلغه قولُ سعد رضي الله عنه وأرضاه: “اليوم يوم الملحمة ، أي: يوم الحرب والقتل ، أعلن صلى الله عليه وسلم رحمته صريحةً واضحةً فقال: “اليوم يوم المرحمة” .
فرَحِمَ النبى الكريم صلى الله عليه وسلم الصغيرَ والكبيرَ والقريبَ والبعيدَ، والعَدُوَّ والصديقَ، بل شملت رحمتُه الحيوانَ والجمادَ، وما من سبيل يوصل إلى رحمة الله إلا جَلَّاه لأُمَّته، وحثَّهم على سلوكه، وما من طريق يُبعد عن رحمة الله إلا زَجَرَ عنه وحذَّر أُمَّتَه منه، فكانت حياته صلى الله عليه وسلم ، كلها رحمة ، وشريعته رحمة، وسيرته رحمة، وسُنَّته رحمة، وصدق الله إذ يقول: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) .
ومن صور الرحمة ومظاهر الرحمة في الإسلام ، هو الرحمة بين الأهل والأقارب، رحمتك لزوجتك وإخوانك وأخواتك وسائر قرابتك ، وأن يرحم المرء أهل بيته ، وأن يحسن رعايتهم وعشرتهم، وأن يعاملهم باللطف واللين، والمحبة والمودة، أن يسهر على خدمتهم، أن يشبعهم، ويكسوهم، ويسكنهم، ويقدم لهم من الخير ما استطاع، وقبل ذلك كله أن يقودهم إلى الجنة، ويُعرّفهم أبوابها وسبلها، ويقيهم من النار، ويُحذرهم من طرق الضلال التي تقودهم إليها.
التعليقات مغلقة.