العظمه والتكبر
بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى
العظمة و التكبر
إذا تكلمنا عن الكبر فسنقول بأنه مرض خطير، وداء عليل، لا يخلو منه كثير من البشر بنسب متفاوتة، وهو كبيرة من كبائر الذنوب، وموجب لغضب الرحمن، وسبب عظيم من أسباب الحرمان، حقا إنه الكِبْر ، فلا يليق بالمخلوق الضعيف أن يتكبر على الناسِ, ولا أن يدخلَه العُجْب والغرور ، فالكِبْرُ والعُجْب داءان مُهْلكان, لا يتحلى بهما إلا أراذل الناس.
والكِبْرُ حمقٌ ورداءةُ عقل، قيل لبعضهم : ما الكِبر ؟ قال : حُمْقٌ لم يَدْرِ صاحبُه أين يضعُه
ولا يتكبر أحدٌ إلا لِشُعوره بالنقص في داخله فالمتكبر ناقصٌ مهزوز الثقة بنفسه يرى أنَّ فيه عيبًا ونقصًا لا يُزيله إلا بإظهارِه للناس عكسَ ذلك فَيَتَصَنَّعُ الكبر والغرور ، فيرى أنه بهذا قد كمُل، وهو عند الناس في غاية الحقارة والمقت.
وقد ذم الله الكبر في مواضع من كتابه، وذم كل جبار متكبر، فقال تعالى ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) فالمتكبر مصروفٌ عن الحق والهدى، لأنه أقلُّ وأَحْقَرُ من أنْ يُعطاه ، وقال تعالى ( كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) فالمتكبر مطبوعٌ على قلبه، مختومٌ على فؤاده، والمسكينُ لا يشعر بذلك أبدا.
والمتكبرون هم أهل النار وحطامُها، فقال تعالى : (تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ، فقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكمَا مِلْؤُهَا ) متفق عليه .
والكبر مختص بالله وحده ، فويلٌ لمن أراد أن يكون شريْكًا لله بصافته، فقَالَ الله تعالى في الحديث القدسي : (الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ) وهذه المنازعة قد تسبب العقوبة في الدنيا قبل الآخرة؛ كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “بينما رجل يجرُّ إزاره من الخيلاء خُسف به، فهو يتجلجلُ في الأرض إلى يوم القيامة”، أي هو يغوص فيها والعياذ بالله، والجزاء من جنس العمل.
وكذلك يوم القيامة سيكون جزاء المتكبرين بأن يحشروا “أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يُساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس، تعلوهم نار الأنيار، يُسقون من عصارة أهل النار: طينة الخبال”، فهذا جزاء التكبر، الذل والصغار والإهانة والاحتقار يوم القيامة .
والمتكبر مُتوّعَّدٌ بعدم دخول الجنة، فقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ” لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ” . رواه مسلم
وما عَصَى إبليسُ ربَّه وهو أولُ العاصين، إلا لِمَا اَسْتقرَّ في قلبه من الكبر (قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) بل إنَّ الكبرَ أشرُّ وأخطرُ من الشرك! فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: التكبر شَرٌّ من الشرك، فإن المتكبر يتكبر عن عبادة الله تعالى، والمشرك يعبد الله وغيره.
والكبر رفض الحق ودفعه وعدم الالتزام به بعض الناس أى تشتاق نفسه إلى الهداية ، ولكنه يمنعه الكبر من اتباع شعائر الدين ، وإنَّ الكبرَ له علاماتٌ، فَبِها يَعرف أحدُنا أنه متكبر أو لا، فالكلُّ يدعي أنه بريء من الكبر والغرور، وأنه من المتواضعينَ غايةَ التواضع .
وروي عن عمر بن العزيز رحمه الله تعالى أتاه ليلة ضيف وكان يكتب، فكاد المصباح أن يطفأ، فقال: الضيف أقوم إلى المصباح فأصلحه، فقال: ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه، قال: أفأنبه الغلام؟ أي الخادم، فقال عمر: هي أول نومة نامها، فقام وملأ المصباح زيتاً، فقال الضيف: قمت أنت يا أمير المؤمنين؟ فقال: ذهبت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر، ما نقص مني شيء، وخير الناس من كان عند الله متواضعاً.
ومن آثار الكبر، لبس بعض الرجال خاتم ذهب أو ساعة فيها ذهب، أو نظارات فيها ذهب،أوجنبية فيها ذهب فاسمع ما قاله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في ذلك حين رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فرماه، ثم قال: “يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده”.
والمتكبر من الناس: ذلك الذي ألبسَ نفسه لباس الكبر والغرور، يرى نفسه أفضل من غيره، يترفع على الناس ويستعلي عليهم، وينظر إليهم نظرة احتقار وازدراء، مغرور معجَب بنفسه ورأيه، لا يقبل الحق ولو ظهر له خطؤه.
والكِبْرُ سببٌ من أسباب هلاك الأمم السابقة؛ فبكبرهم وعِنادهم طغوا وتجبّرُوا وظلموا وأفسدوا، تمردوا على خالقهم، واستنكفوا عن عبادته، وقاتلوا أنبياءه ورسله، وصدوا عن سبيله، فحق عليهم العذاب، وجاءهم الهلاك، وحل بهم الدمار ، والكبر سبب في الإعراض عن الحق، والبعد عن دين الله، والصرف عن آياته؛ فالمتكبر لا يقبل الحق، ولا ينتفع بآيات الله، ولا تؤثر فيه موعظة ولا نصيحة.
الكبر داء يُـذل صاحبه، ويُخزيه، ويَحط من قدره عند الله وعند عباده، ويُبعده عن الله، ويَحجُبُه عن رحمته وعطائه؛ فكلما تكبر واستعلى ونظر إلى نفسه نظرة إجلال وإكبار نزلَ قدْرُه، وسقط من أعين الناس، ومقته الله ومقته الناس ، والكبر سبب في دخول النار والخلود فيها؛ فليعلم المتكبر على الله وعلى دينه وعباده أنه يجرّ نفسه إلى عذاب الله.
التعليقات مغلقة.