” العقل زينة “
محمود حمدون
=======
جمعتني به ” ندوة ” بجهة ما بالعاصمة , قبل أعوام خلت, أعرفه عن قُرب أو أزعم هذا , مثقف من طراز رفيع , يتحدث أكثر من لغة أجنبية كأهلها , لا يُقحم نفسه في جدل إلاّ بعد أن يتيقّن من سيطرته على الحديث , لا يقوم من مقامه إلاّ وقد أذعن الكل لرأيه وخضع لحكمته .
جلست بجواره , أتخيّر مدخلاً لكلامي معه , قلت :أراك ارتقيت في سلم المعرفة حتى أوشكت ان تصل للقمة , فهنيئاً لك ثمرة كفاحك طوال حياتك , بودّ عرفته عنه حيّاني , تدفق الحديث من فمه عذباً , عرج على موضوعات كثيرة , أزال غموضاً مستقراً عن قضايا خلافية .. من بين ثنايا كلماته وجدت منه تشبثاً برأي يسعى لفرضه , قاطعته بأدب : الخلاف في الرأي لا يُفسد للود …
أربد وجهه , بحنق ردّ : تلك بديهيات أقرب لثوابت لا يمكنني أن أحيد عنها , ثم سألني: هل نختلف حول وجود الموت ؟ حول النور و الظلام ؟ الخير و الشر ؟
قلت : ما يخضع للمنطق و الفكر قابل للجدل , الخلاف حوله مُستحب, هكذا تعلّمنا منك و على يديك , ثم سار بيننا الحديث في طرق متعرّجة , زاد من وعورتها إصراره على صواب رؤيته , غلّف حديثه كل هنيهة بمفردة أجنبية , بضعة توابل حريّفة لمسميات يدرك جهلنا بها .. خرجت من بين يديه و أنا أسأل نفسي : هل العقل زينة ؟
التعليقات مغلقة.