الغربال … هنا سعد
استيقظت من نومى مبكرًا للغاية؛ لأختار بعناية ثيابًا ملائمًا للمنصب الجديد كمديرة للشركة التى كنت أعمل بها فى صفوف الموظفين.
دخلت المطبخ تناولت بعض إفطارى على عجلة من أمرى استعدادا ليوم طويل من العمل يبدأ بالمرور على جميع قطاعات الشركة وينتهى بعدة قرارت .
أثناء خروجى من المطبخ وقع نظرى على ذلك الغربال العتيق المعلق على الحائط الذى يكتسى بعبق الأم والأجداد، مازلت أحتفظ به رغم الديكور الحديث للمنزل.
تذكرت ماروته أمى بشأن وصية جدتى لها بأن تشد نسيج الغربال وتحكمه حول الإطار الخشبي باستمرار حتى تتمكن من إسقاط الأتربة وتطاير القشور عن الحبوب بشكل أفضل.
أوصتها جدتى بشكل عملى وهى تحرك الغربال يمينًا ويسارًا بين يديها بمهارة وحنكة وخفة متناهية.
تناولته أمى يومًا وقامت بشد النسيج حول الدائرة الخشبية بشئ من القوة فأحدثت به خرقًا سقطت من خلاله جميع الحبوب الصالحة؛ فاختلط الحابل بالنابل؛ “ليت أمى لم تتلفه ” كانت تلك أمنيتى فقد كنت أشم فيه رائحة جدتى الطيبة.
نبهتنى دقات السابعة إلى ضرورة التوجة إلى العمل وقد قررت أن أتخلى عن طيبتى المعهودة وثقتى فى الناس الغير محدودة حتى يوقرنى الجميع وأُحكم السيطرة على مجريات الأمور كمديرة جديدة ورئيسة لزملائى.
دخلت الشركة وقد تبدلت ملامحى من الإبتسامة المعهودة إلى الوجوم والحزم.
وبمجرد وصولى إلى مكتبى أصدرت العديد من قرارت النقل بين الأقسام دون إبداء الأسباب، ولم أسمح بالمناقشة بعد أن غربلت رؤساء الاقسام والموظفين كما غربلت أمى حبوبها من قبل .
تباعدت المسافات بينى وبين أقرب الزملاء وتطاير عن ساحتي العقلاء وأصحاب المشورة منهم يومًا بعد يوم، أصبح من كانوا أشد الناس قربا منى بالأمس هم أبعدهم عنى اليوم، وبدأ سوس التعالى ينخر فى مقعدى غير ملتفتة له، حتى سقطتُ من على الكرسى، ليت السوس أصاب ذلك الغربال الخشبي المعلق على الحائط بدلًا من أن يصيب مقعدى.
ليتنى حفظت الود لزملائى فيكون ودهم سندًا ومعينًا، وليتنى فهمت كيف يكون حزمى موصولا بمحبتى؛ليتك يا جدتى أخبرتينى كيف يُشد الغربال!
التعليقات مغلقة.