الغطاس
تأليف : محمد كسبه
بعيدا عن الهدوء و الملل و الرتابة ، مثابر جدا ، نشيط يحب المغامرات ، رغم أنه قصير و نحيف إلا أنه شجاع جدا ، لا يضيع حقه أبدا و لو كان حقه بين فكي أسد ، يقصده المستضعفين في رد حقوقهم و نصرتهم ، أحيانا بلا مقابل و أحيانا بمقابل ، نظرا لقلة ما في يده ، له العديد من المغامرات العاطفية التي دوما تنتهي بالفشل ، رغم أنه صادق في كل مرة إلا أن الظروف تجبره على التخلي و البعد .
الغطاس أحب اسم إلى قلبه ، استهوت رضا منذ صغره حكايات الجنية و البحر – البحر عندنا هو نهر النيل – كان يحزن جدا كلما شاهد طفلا غريقا في البحر ، فقرر أن ينتقم لكل هؤلاء و يقتل الجنية .
و هو في السابعة من عمره أصبح مميزا بين أقرانه ، فكان يسبح لمسافات طويلة بعيدا عن الشاطيء قرب منتصف البحر ، كان ينافس زملاءه في الغطس لأطول مدة تحت الماء و كان دائما يفوز .
رن الهاتف
-بصوت يرتعد ممزوجا بالبكاء ، السلام عليكم ، يا غطاس لو سمحت تعالى بسرعة ابني غرق في البحر منذ ثلاث ساعات .
- تمام ، ممكن تحدد بالظبط مكان الغرق .
- أمام ضريح الشيخ ضباب .
رغم وجود العديد من مراكب الصيد التى تبحث عن الجثة ، و وجود قارب الإنقاذ النهري إلا أنهم لم يتمكنوا جميعا من العثور على الطفل لمدة ثلاث ساعات .
قفز الغطاس في البحر و بعد ثلاث دقائق ، خرج من المياه و أخبرهم أنه بعد نصف ساعة سيغطس مرة أخرى و ينتشل الجثة ، بشرط أن تتوقف كل المراكب و قارب الإنقاذ النهري عن البحث في البحر لأن هذا يزعجها .
استجاب الجميع لطلبه و خرج الكل من البحر .
صرخت أم الطفل هل ابني ما زال حيا يا غطاس ؟
الدموع تنهمر من عينيها كالمطر و الصراخ يصل لعنان السماء يا رب رحمتك يارب ولدي ؟
يا غطاس أريد ابني حيا و لك ما تريد ، خذ كل مالي كل ما أملك و انقذ ولدي .
نظر إليها الغطاس و الدموع في عينيه ليس في استطاعتي يا أمي كل شيء بمقدار و لكل شيء حدود ، الموت و الحياة بيد الله ، أنا شاهدته من بعيد و بعد نصف ساعة قبل المغرب بدقائق سأغطس و أخرجه إلى الشاطيء .
- يا غطاس أقبل قدمك انزل الآن . اعتبره مثل ابنك .
- حتى لو كان ابني ما استطعت أن أنقذه يا جماعة ابعدوا الأب و الأم عني ، فهذا الحديث سيجعل الأمور تسوء جدا ، فربما يختفي من مكانه ، و دعوني أركز في عملي فبمجرد أن تغادر المكان و تتركه سترسل لي إشارات ، و إلا سنحتاج إلى يومين أو ثلاثة للبحث بدون دليل .
من يدري ربما سيخرج حيا .
و استطرد قائلا ذات مرة غرق أحد الشباب و بعد نصف ساعة وجدته ممسكا بحطام قارب في القاع ، فأخرجته من البحر و كان جسمه دافيء ، في الإسعاف أجروا له تنفس صناعي فعاد للحياة ، تلك مشيئة الله ، فمن يدري .
بعد ربع ساعة نزل الغطاس إلى الماء و أخرج الطفل الغريق من الشاطيء الآخر ، فحملوه على القوارب و أخرجوه لوالديه.
انصرف الجميع إلا هو ظل في مكانه كما وعدها ، نزل إليها أسفل النهر ، ظل معها نصف ساعة ثم خرج من الماء مجهدا ، عاد لبيته ، الكل يعرف لكن لا أحد يجرؤ على الحديث معه . رغم أنهم يسمعون صوت أطفال صغار غير أبنائه يلعبون في غرفته و صوت امرأة أخرى ليست زوجته ، إلا أن الحديث معه عن هذا الموضوع سيكلفه حياته قبل أن يلفظ بكلمه واحدة و هم يعلمون ذلك .
التعليقات مغلقة.