الفصل والوصل…فتحي محمد علي
الفصل والوصل…فتحي محمد علي
هذا باب في البلاغة له قدره واهميته،ولعظم شأنه اتخذ بعض علماء البلاغة منه تعريفا لها بصفة عامة؛فمن أشهر تعريفات البلاغة:
“هي معرفة الفصل من الوصل”.
ومما دفعني لتناول هذا الباب أن أدباء كثرا يصلون في موضع الفصل،ويفصلون في موضع الوصل.
الوصل:عطف جملة على أخرى بإثبات حرف العطف الواو(ولو أسقط لفسد المعنى).
الفصل مجئ جملة عقب أخرى دون حاجة لحرف العطف الواو(ولو أثبت لفسد المعنى).
متي يجب الوصل؟
في ثلاثة مواضع على الأرجح:
1_إذا اريد اتحاد جملتين في حكم إعزابي واحد؛كما في قول” المتنبي”:
أنا الذي نظر الأعمى إلى ادبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
فقد عمد”المتنبي” إلى أن يشرك جملة :”أسمعت” في الحكم الإعرابي لجملة خبر المبتدأ:”نظر الأعمى إلى أدبي”التي تعد خبرا للمبتدأ:”أنا”.
2_إذا اتفقت الجملتان خبرا وإنشاء،وكان بينهما مناسبة او صفة جامعة:”وأنه هو اضحك وابكى وأنه هو امات وأحيا وانه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى”سورة” النجم”. 3_إذا اختلفت الجملتان خبرا وإنشاء واوهم إسقاط الواو معنى غير المراد؛كقولك ردا على من يسألك:”هل ستزورني؟
بقولك:”لابارك الله فيك”؛فالمعنى هنا استحال من دعاء له إلى دعاء عليه؛لذا وجب إثبات الواو بقولك:”لاوبارك الله فيك”.
ومن الجدير بالذكر في هذا الجانب انه قد أثر عن سيدنا”ابي بكر الصديق”رضي الله عنه وأرضاهانه في تعامله مع احد التجار سأله عما إذا كان يريد شيئا آخر فكان رد هذا التاجر:”لاعافاك الله”فقال له سيدنا”أبو بكر الصديق”؛”إذن قل:لاوعافاك الله”.
ومن الطريف أنه قد أثر عن احد البلغاء قوله:
“إن هذه الواو اجمل من الواوات على خدود الحسناوات”.
وتستلزم الامانة العلمية الإشارة إلى ان بعض علماء الأصوات يرون انه لابأس من إسقاط الواو استعاضة عنها بالأداء الصوتي؛بحيث لو وقفت برهة بعد”لا” ونطقت ب”عافاك الله”دون إثبات الواو؛لفهم من تلك الوقفة انك تريد الدعاء له لاعليه،وفي الكتابة بالاستعاضة عنها بالفاصلة.
متى يجب الفصل؟
في خمس مواضع على الأرجح:
1_إذا كان بين الجملتين اتحاد تام بان تكون التالية بدلا من الأولى:”ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب ويخلد فيه مهانا”سورة”الفرقان”.
فجملة:”يضاعف له العذاب”بدل من:”يلق آثاما”وبيان لها.
2_أن يكون بين الجملتين تباين تام من حيث الخبر والإنشاء فيكون بينهما مايعرف ب”كمال الانقطاع”:”فمهل الكافرين امهلهم رويدا”سورة”الطارق”
3_ان تكون الجملة التالية بمثابة الإجابة عن تساؤل نتج عن الجملة الأولى:”وماأبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء”سورة”يوسف”.
4_ان تأتي جملة بعد جملتين يفسد المعنى لو تم عطفها على احدهما فيتم مايعرف ب”توسط بين الكمالين”؛كما في قوله تعالى:”وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون”سورة”البقرة’.
فجملة:”الله يستهزئ بهم”لايصح عطفها على جملة”إنا معكم”لاقتضائهاحينئذ أنها من مقولهم،ولاعطفها على جملة:”قالوا”لاقتضائها
حينئذان استهزاء الله بهم مقيد بخلوهم إلى شياطينهم؛فكان لابد من الفصل لتوسط الكمالين.
5_أن تسبق جملة بجملتين ويصح عطفها على إحداهما من حيث المعنى؛لكن يترك العطف لحدوث لبس في المعنى لتوهم عطفها على الجملة الأخرى،ومنه قول القائل:
وتظن سلمى أنني ابغي بها
بدلا؛اراها في الضلال تهيم”
فجملة:”اراها في الضلال تهيم”جملة تعليلية لجملة:”تظن سلمى”وذلك لابأس فيه من الوصل لكن نظرا لتوسط الجملتين جملة:”ابغي بها بدلا”ووجود لبس من توهم العطف عليها مما يفسد المعنى لوجود فارق كبير بين المعنى في حال العطف على الثانية لذا كان الفصل اولى درءا للبس.
وبعد؛فمن الجدير بالذكر أن تحري الفصل والوصلفي المقام الأوليعد فطرة لمن لديه فطرة سوية لاسيما الأديب المطبوع_شاعرا كان ام ناثرا.
هذا وبالله التوفيق.
التعليقات مغلقة.