الفكر الصوفي بين عبد الكريم الجيلي وكبارالصوفية تأليف الدكتور يوسف زيدان طبعة ثانية دار الأمين.. القاهرة ١٩٩٨م عرض وتقديم حاتم السيد مصيلحى
الفكر الصوفي بين عبد الكريم الجيلي وكبارالصوفية
تأليف الدكتور يوسف زيدان
طبعة ثانية دار الأمين.. القاهرة ١٩٩٨م
عرض وتقديم حاتم السيد مصيلحى
قد يأتي على الإنسان حين من الدهر لم يكن
شيئا مذكورا.. ثم يكون التحول المفاجىء
والسريع نتيجة لانفعالات حبيسة.. أو مواقف
عصيبة قد تتسبب فى تحولات عارمة فى سير
الأشخاص وسير الأمم والشعوب.
حلل الدكتور يوسف زيدان هذه الظاهرة
فانتهى إلى أن ما نراه مفاجئا من هذه التحولات..
إنما هو نتيجة لعوامل عديدة ظلت تعتمل فى
نفس هؤلاء المتحولين فترة طويلة حتى إذا نضجت الثمرة.. سقطت عن فرع الشجرة، سقوطا مفاجئا.. بينما هو نتاج لوقت طويل من النضج الخفى الهادئ، هكذا بدأ حديثه
فى كتاب «الفكر الصوفي بين عبد الكريم
الجيلي وكبار الصوفية».
ويعرض لشخصية عبد الكريم الجيلي
الذى يعد من أبرز الشخصيات فى تاريخ التصوف حيث قضى الرجل حياته بين التصوف الإسلامي حيث قضى الرجل حياته بين
لوعة الوجد ولذة الوصا، فظل يترقى من حال إلى مقام، ومن حيرة إلى يقين، ومن تلوين إلى تمكين.. وكان عبد الكريم الجيلي سياحا فى أرض الله متنقلا بين البلاد
على طريقة أهل التجريد ولكن مدينة واحدة
شغلت وجدان الجيلى فتعلق بها أكثر من غيرها أن سافر عنها للسياحة، لا يلبث أن يعود إليها يحدوه الشوق إلى هناك إلى مقر شيخه في الطريق الى زبيد اليمن.
ويبين الدكتور زيدان: الأسباب التى دعت
الجيلى الى تفضيل مدينة زبيد على غيرها من
المدن التى زارها فكان يسافر عنها ثم يعود إليها بقوله:
أولا: كانت زبيد مقرا للشيخ الجبرتى وقد
ارتبط الجيلي بهذا الشيخ ارتباطا قويا كما يظهر
من كلامه عنه وعادة ما نجد الصوفي مرتبطا
بشيخ يأخذ عنه الطريق وهناك أمثلة عديدة على ذلك فى التصوف الإسلامى كارتباط الشاذلى
بالشيخ عبد السلام بن مشيش، وابن عربى بأبى
مدين وغير ذلك الكثير.. وعموما فالصوفية تقول “من لا شيخ له فالشيطان شيخه”.
ثانيا: كانت زبيد فى الوقت الذى وفد إليها
الجيلى.. حافلة برجال التصوف سواء من سكان
البلاد وأهلها.. أمثال شيخه الجبرتى، وصديقه
أحمد الرداد، وأبوبكر السراج، أو من الوافدين
عليها كالمقدسي، والكرماني، وإبراهيم القاري،
وقطب الدين بن مزاحم وقد كان ذلك من أقوى الأسباب التي جعلت الجيلي يفضل دوما مدينة زبيد، فالصوفي لا يتنفس إلا في جو روحي ملائم.
ثالثا: كانت للصوفية هناك مكانة مرموقة عند
الحكام فكان ملوك بنى رسول يقربون الصوفية
إليهم إذ كان الملك المجاهد يعتقد فى الشيخ
الجبرتى ويحسن الظن به.. وقد بلغ تقريب الحكام للصوفية أن كان لنفوذ دولة الصوفية فى تلك الفترة المرتبة الثانية بعد سلطان بنى رسول مباشرة.
رابعا: أدت مكانة الصوفية لدى الحكام فى ذلك الوقت الى وجود مناخ ملائم من الحرية الفكرية والعلمية بالنسبة للمتصوفة فقد توسع الصوفية فى إظهار شعاراتهم، وعقدت السماعات فى أكثر مساجد زبيد دون أى اعتراض من قبل الدولة وراجت بزبيد كتب ابن عربى، وكانت تباع وتشترى بالأسواق وهكذا كان المناخ التى تميزت به زبيد عن غيرها.
وخلال سياحات الجيلى المتواصلة عرف الرجل الكثير من ثقافة عصره وحصل قدرا وافرا من معارف تلك الحقبة الزاخرة.. ومن ثم جمع الجيلي فى تصوفه بين النظر والعمل أو بين الحكمةوالذوق الصوفي.
وكغيره من كبار صوفية الإسلام نال الجيلى حظه من تشنيع المرجفين وتهاويل المعجبين بتصوفه إلا أن حملة الطاعنين على الجيلى كانت أشد فرأى فيه معاصروه من الفقهاء قائلا
بالحلول والاتحاد ورأى فيه بعض المعاصرين من الدارسين معبرا عن أفكاره الرافضة ولم يكن
ذلك كله غائبا عن الجيلى حيث قال:
كم كان صدرى للنبال عريضة
وعرضى للطاعنين مواقع
*واما عن حقيقة مذهب الجيلى:
يشير الدكتور زيدان إلى بحث الدكتور كامل
الشيبى القيم «الصلة بين التصوف والتشيع»
والذى يرى فيه: أن الجيلى من الصوفية الذين
جمعوا بين التصوف والتشيع.
وينتقد هذه النظرة التى تبتعد عن الصواب والموضوعية والتى يصر فيها الشيبى على إرجاع كل الشخصيات الصوفية إلى المذهب الشيعي.. ويكاد يجزم فى أبحاثه بأنه لا يمكن أن يكون الصوفي صوفيا ما لم يكن التشيع
مذهبه، ويعدد الدكتور زيدان الأدلة التى من أجلهايرفض رأى الدكتور الشيبي.. فيقول:
١- ان القول بعلوية عبد القادر الجيلاني والذى قيل إن عبد الكريم الجيلى من نسله والاستدلال على علويته بأنه جعل مشيخة الصوفية وراثية كإمامة الشيعة فورث طريقته ابناؤه عبدالوهاب، وعبد العزيز، وعبدالجبار.. هو قول ينبغى أن يؤخذ بشيء من الحذر فإن نسبة الشيخ عبدالقادر الى علي بن ابى طالب غير مقطوع تماما بصحتها.
٢ – وفيما يتعلق بكون الشيخ عبدالقادر هو جد
عبدالكريم الجيلى فإن ذلك غير مقبول بشكل تام فهذه النسبة بين الرجلين لم يذكرها الجيلى أو أحد معاصريه.
٣ – وفيما يتعلق بكون الجيلى علوي المذهب
وبالتالى فهو شيعى المعتقد نقول إن هذا رأى غير مبرهن عليه.. ففى بحث الدكتور الشيبى لا يوجد دليل واحد من كتابات الجيلي أو سيرته يؤيد القول بميله إلى تشيع من قريب او بعيد.
ثم ينتقل بنا المؤلف إلى أسلوب عبد الكريم الجيلي بصفته رمزا من رموز التصوف
بمؤلفاته التى تمثل نموذجا من نماذج الفكر الصوفي حيث يقول: يتميز الأسلوب الصوفي
خاصة عند الصوفية المتأخرين من أمثال
عبدالكريم الجيلى بعدة خصائص.. ولعل أوضح
هذه الخصائص وأهمها هو طابع الاستغلاق
والالتزام بالرمزية الدقيقة.. ويرجع ذلك إلى عدة أمور منها
إن الصوفية كما يقول القشيرى قصدوا
إلى استعمال الألفاظ التى يكشفون بها عن
معانيهم لأنفسهم غيرة منهم على أسرارهم أن
تشيع فى غير أهلها.. وبذلك يكون الكلام بلغة
الرمز والاصطلاح أداة يعبر بها الصوفية عن
أحوالهم لإخوانهم او لمريديهم وتقيهم فى الوقت نفسه الفتنة وإساءة الفهم من قبل العامة إلا أن الرمز الصوفى ضلل كثيرا من الباحثين المحدثين فى حقل الدراسات الصوفية، فتعرض هؤلاء الباحثون إلى الخطأ فى الحكم على عبارات الصوفية.
ومن ثم كان من الضرورى أن يلزم التأني لمن
ينظر لعبارات الصوفية مراعيا أن لكل حرف
مغزى.. ولكل عبارة إشارة.
*ومن مؤلفات الجيلى:
الكهف الرقيم فى شرح بسم الله الرحمن الرحيم، المناظر الالهية، وجنة المعارف وغاية المريد العارف، إنسان عين الوجود،
والقاموس الأعظم والناموس الأقدم فى معرفة قدر النبى صلى الله عليه وسلم.. الخ
*الانسان الكامل
ثم ينتقل بنا المؤلف إلى الباب الثاني
عارضا لفكرة «الإنسان الكامل» فيقول : إن
الإنسان الكامل عند الصوفية هو أعلى مقامات
التمكين، التى يمكن أن يصل إليها السالك إذا
دام على سلوكه فأدركته العناية فاتصل.. فإذا
وصل الصوفي إلى تلك الغاية كانت نفسه النفس الكاملة، وكان نور الحق العين التى يرى به، وهذا يلفت أنظارنا الى تعريف أبوبكر الكتانى ت ٣٢٢ هـ حيث قال «التصوف هو الخلق فمن زاد عليك فى الخلق زاد عليك فى الصفا » ثم يعرض
إلى فكرة الانسان الكامل عند
الجيلى، مناقشا قضية «الذات» فى كتابه «الإنسان الكامل» من خلال الآية «لا تدركه الأبصار» ثم الكرامة عند الجيلى والتى تعد إحدى خصائص العبد الصفاتى.. ومرتبة الإنسان
الكامل عنده هي مرتبة تجلي الذات الإلهية.. فالعبد الكامل مرآة الذات الإلهية وذلك بعكس العبد الصفاتى الذى تتجلى عليه الصفة الإلهية فيقبل منها على قدر حاله وتظهر فى الحياة، والعلم، الإرادة ، القدرة.
ثم يعرض المؤلف إلى الإنسان
الكامل بين الجيلى و الصوفية كابن عربي..
والسهروردي، وابن سبعين. ولآراء المستشرقين الذين عمدوا إلى إحالة الكثير من الأفكار والنظريات إلى أصول ومصادر غير إسلامية، والأفكار الصوفية كل على حدة كالوحدة والحلول والاتحاد وبيانها عند كل أعلام الصوفية مبينا المعاني الحقيقية التى
يقصدها الصوفيون وكيف كان الحلاج ضحية
لأقوال لم يفهمها العامة.. واتهمه بها الخاصة.
ومما لاشك فيه أن هذا الكتاب يعد نظرة تأملية فاحصة للفكر الصوفي مبينا او فاكا للرموز التى خالها الناس نوع من الإلحاد.. او الشعوذة أو الدروشة.. الخ وها نحن نعرض
للناس هذا الفكر ليقفوا عليه بل وليقدموا على قراءة مثل هذه المؤلفات التى تقوم بقياس درجة الحرارة طائفة من الناس ظننا انهم محمومون ولكنهم على درجة من الوعى لم نفقهه.
التعليقات مغلقة.