الفنان و اللوحة
سامح خير
دخل الفنان الى معبده و أغلق بابه و ابتدأ يحلم كيف سيبدع فى اللوحة التالية، فهو يريدها أفضل إبداعاته على الإطلاق، فمسك فرشاته و أبتدأ فى وضع لمساته الساحرة، و لكن شدة حرصه على ان تكون هذه اللوحة أفضل إبداعاته ، جعلته يتأنى و يتلذذ بكل لمسة لفرشاته على اللوحة، لدرجة انه احيانا كان يقضى أياماً كاملة بلا نوم من اجل هذه اللوحة ؛ و أخيراً انتهى من وضع آخر لمساته عليها بعد سهره عليها لأيام عديدة؛ و لشدة تعلقه باللوحة ابتدأ يكلمها قائلاً : لقد أحببتك مرتين،
اول مرة لما كنتِ فكرة فى خيالى،
و ثانى مرة لما سهرت فيك الليالى.
علق الفنان اللوحة فى وسط منزله حتى تكون فى مرمى بصره كل الأوقات.
و فى ليلة من ليالى الشتاء القارس، دخل سارق لمنزله ونهب كل ما طالت يده فى البيت، حتى اللوحة المعلقة على الحائط لم تهنأ من يديه، جمع السارق كل ما نهب فى حقائب و فر هارباً.
رجع الفنان الى منزله فوجده منهوباً، و كانت اكبر صدمة له هي سرقة هذه اللوحة القريبة الى قلبه.
مرت أعوام عدة لكن لم ينسى الفنان تلك اللوحة فهو دائم التفكير فيها و يحلم بأن ترجع إليه مرة ثانية، إلى ان جاء اليوم الذى كان يمر فيه الفنان بإحدى شوارع العاصمة فوجد اللوحة معروضة للبيع فى واحدة من ارقى محلات التحف و الانتيكات، لم يصدق عينيه و ركض سريعاً لداخل المحل و هو يصرخ فى وجة البائع الواقف بداخل المحل قائلاً له : هذه لوحتى ، من أين حصلت عليها و عليك ان ترجعها لى حالاً، استمر النقاش طويلاً حتى و صَل للنقطة التى ارتضى بها الفنان ان يشترى اللوحة من جديد، و أستغل البائع الفرصة و طلب مبلغ باهظ مقابل هذه اللوحة.
دفع الفنان المبلغ و حمل اللوحة فرحاً، كفرحة المنتصر فى الحرب و رجع بلوحته الى بيته و جلس يحدثها للمرة الثالثة قائلاً: لقد أحببتك ثلاث مرات ؛
اول مرة لما كنت فكرة فى خيالى
ثانى مرة لما سهرت فيكى الليالى
ثالث مرة لما دفعت فيكى الغالى .
ولكن بسبب ما حدث وقت السرقة، و خلال الوقت التى كانت اللوحة بعيدة عن الفنان، تشوهت اللوحة كثيراً، فجلس الفنان وابتدأ يصلح ما قد خرٌب طوال هذه المدة و لم يتركها حتى أرجعها مثل الاول بل و يمكن أفضل أيضاً.
و حينئذ ابتدأ الفنان يتحدث للوحته الحبيبة قائلاً: لقد أحببتك أربع مرات
اول مرة لما كنت فكرة فى خيالى
ثانى مرة لما سهرت فيكى الليالى
ثالث مرة لما دفعت فيكى الغالى
رابع مرة لما رجعتك للى كان فى بالى.
التعليقات مغلقة.