الفوضى…
بقلم محمد كسبه
الفوضى
قصة قصيرة
تأليف : محمد كسبه
لا يعرف لماذا أتى إلى هنا ؟ في ذلك السجن المنفرد ولا يدري كيف انجرف في سيل المتظاهرين و ثار مثلهم ؟ كيف له – و هو مثلما يقول عن نفسه : (ماشي جنب الحيط ) أن يندمج في الهتافات و يلقي بالحجارة على الشرطة ؟ بل و الأكثر من ذلك وسط الفوضى وجد الكثيرين ينهبون من المحلات و يضرمون النيران في عجلات الكاوتش .
في عدة ساعات ما بين النهار و الليل أصبح مجرما متهما ، بعد أن كان يتغنى بالوطن و يميل لسماع الأغاني الوطنية و يرتجف قلبه حين يسمع السلام الوطني .
لا يعلم كيف تغير و كيف جرفه السيل ؟
الفوضي سلاح يسلب العقل و يسخر الجسد لفعل كل ما هو غير مقبول و غير أخلاقي في الهرج و المرج و الكر و الفر تسلية للعقول الفارغة الخالية من الواقع التي تعيش في وهم الكلمة وظلام الأفكار المعتمة .
الأستاذ نبيل ذو الخمسين عاما الذي لا يمثل أي شيء و ليس له أي وزن على مواقع التواصل الاجتماعي ، فهو كمن ينظر من خلف ستار على الأحداث و يقرأ و يندمج و يتأثر بالتغيرات في العالم ، إلا أنه كان دوما يخشى أن يكتب تعليقا على أي منشور بل و الأسوأ من ذلك أن صفحته باسم مستعار و بصورة مغايرة .
ذات يوم و هو يقلب صفحات التواصل قرأ العديد من المنشورات تحت مسمى انزل و شارك و حرر بلدك ، لم يهتم بكل تلك المنشورات و لم يفكر بها فهو يعيش حياته دوما في أزمات مالية و قد تعود على ذلك ، ولم تعد تشغله الأسعار فقد تأقلم على تقبل الزيادة ، و قد كان دائم السخط ؛ لكنه في كل الأحوال أضعف من أن يعبر أو يتكلم أو حتى يبدي رأيه في السياسة ، فالسياسة بالنسبة له خط أحمر .
في اليوم المحدد قرر الأستاذ نبيل أن يشاهد من بعيد تلك الفوضى ، فنزل إلى الشارع أعجبته الأغاني الوطنية فتغنى بها مع الناس في الشارع ، بعد الأغاني وجد الجميع يهتفون ارحل ارحل في البداية لم يفكر أن يقولها لكن مع التكرار تجرأ و هتف معهم و جرى الدم في عروقه حين استمع لأحدهم و صار مسلوب العقل مسلوب الإرادة يفعل مثلما يفعل القطيع ، بدأ يشعر بالحرية و القوة في القول والفعل ، شعر بأنه لا حدود لفكره ولا قيود لعمله و أنه بما يفعله سيغير العالم للأفضل ونسي أنها أزمة عالمية و تلك الفوضى مدبر لها من قبل جهات تريد خراب الوطن .
في زحام الأحداث تم القاء القبض عليه ، و في التحقيقات ادهشته جملة حين تقرر النزول فهذا الأمر يعود إليك ، لكن حين تريد العودة لبيتك فهذا الأمر يعود إلينا .
التعليقات مغلقة.