القشاش … قصة قصيرة بقلم نجلاء خليل
القشاش
قصة قصيرة
بقلم نجلاء خليل
شهدت محطة مصر بالإسكندرية في عصر ذلك اليوم تلك السيدة الناحلة ذات الوجه الشارد ببقايا جمال ذابل وعلي رأسها جوال متهالك متنافر البضاعة .
قطعت الرصيف العريض بخطي مرتبكة مستسلمة لأفكارها ، ماذا ينتظرها بعد عودتها بخيبة الأمل ، أغتصبها الزحام وفجعها صوت القطار وهيئته ودلفت بسرعة الحمولة التي علي رأسها بين جموع المسافرين المتزاحمين علي قطار الدرجة الثالثة
( القشاش ) وكالعادة رمت حمولتها وجلست القرفصاء علي أرضية القطار بين الأبواب المفتوحة والدموع تترقرق في عينيها ونظرتها ثابتة تجاه الباب تركض في ذكريات يوم مؤلم لم يكن يخطر ببالها قسوته .
قشعريرة أوقظتها فجر هذا اليوم ، عادة يومية أن تغادر دفء فرشتها البسيطة بعد أن فاتها مركب الحظ بوفاة زوجها منذ عام وهي علي أعتاب الأربعين ، ترك لها داراً بسيطة خاوية من كل شئ إلا بركة أربعة فتيات في عمر الزهور وصبي يلهو في الخامسة من عمره، لحظٍ سعيد اليوم أن لم يرافقها في رحلة الشقاء اليومية اليوم لسخونة شديدة المت به فلم تحمله مع حمولتها من بيض وزبد وفطير وخضار تركته لجارتها العجوز الطيبة لحين عودة أخواته من مدرستهن وحتي تعود له بالدواء ولإخوته بإحتياجتهن ، دائما تتذكر قسمها منذ ولادتهن أن لاتكرر مأساتها معهن وأن تتعب من أجل أن يحصلن علي قسط من التعليم يحصنهن ضد تقلبات الزمن وكانت كأنها ترتدي مع كل نجاح لإحداهن ثوبا رائعا مزينا بالورد .
الله وحده هو الذي يستطيع أن يمحو عني كل تلك القسوة والمعاناة هكذا كانت تردد بين نفسها ككل يوم أوقظت الفتيات وأعدت لهن ماتيسر من فطور وغادرت بهمة ونشاط تحمل ماتيسر من تجارة ,،خضار مجهز للعاملات وبعض من البيض الطازج وقطع من الجبن القريش والخضار الطازج الذي تقسط ثمنه للمزارع وخاضت مع الحياة دورتها اليومية قطار قشاش ونزول في محطة مصر والنط بالحمل من رصيف الي رصيف ثم المشوار اليومي الي سوق المحطة حيث فرشتها بين قضبان الترام الصفراء ينسج الخيال في رأسها أمنيات بيع كل ماتحمل لتعود خاوية الحمل ممتلئة الجيب فتشتري الأمنيات ، وربما تستريح الغد وتقضيه مع الأولاد حيث أنه الجمعة وتنظف المنزل وتعد لهم وجبة ساخنة يتحملون بها صقيع الشتاء .
كانت المسافة بين السوق والمحطة مزدحمة جدا بالسيارات والمارة والتلاميذ والبائعين الذين يبيعون كل شئ واي شئ نفس الوجوه التي إعتادت، قابلها البائع في كشك الجرائد علي باب المحطة واشتري منها فطاره فطيرة وقطعت جبنه ودس في يدها نصف الثمن وقال لها غدا أكمل المبلغ ، آلمتها المطبات والشارع الغير ممهد والقضبان وهزت الحمولة الثقيلة علي رأسها ولكنها كانت سعيدة بعدم سقوط بضاعتها وتفاخرفي نفسها بشطارتها .
وصلت أخيرا وتنفست الصعداء وبدأت في ترتيب بضاعتها برغم برودة الأسفلت وبعض الطين من أثر نوبة مطر واستعادت ابتسامتها الطيبة التي كانت المؤهل لها للبقاء في هذا المكان النادر المتميز بين بائعي الخضار والفاكهه حولها دون نزاع علي ملكية ودون إتاوة لاتستطيع دفعها لسان محتشم وابتسامة طيبة وغلب واضح .
بدأت حركة البيع والشراء تزداد وبدأت الحياة والأمل مع كل وزنه جبن أو بيع بيض وكان القريب منها يسمع كلمة ( هانت حايجبرنا الله )مع كل مبلغ تدسه في الكيس القماش حول بطنها .
ولكن الحياة لا تهادننا طويلا ماهي إلا لحظات وانقلب السوق رأسا علي عقب الكل يجري ويدهس الكل الكل يحاول حمل مااستطاع والجري كانت تصرخ وتقول (يوم الحشر ده ولا ايه ياخلق هو في ايه ) البيض اتكسر والجبنة وقعت علي الأرض ولا أحد يستجيب وجاءها صوت أجش من الخلف ( لمي حاجتك ياوليه ) أمشي من هنا حايتعمل لك محضر أهربي وهي واقفه ويديها علي رأسها وكل ماتملك مدهوس علي الأرض بين طين الأسفلت ، إنتبهت وجمعت مااستطاعت في جوالها البالي المقطوع وجرت إلي محطة مصر تلك السيدة الناحلة الشاردة ببقايا جمال ذابل
نجلاء خليل
عضو اتحاد كتاب مصر
قصة قصيرة
التعليقات مغلقة.