القصة العربية بين الأصالة والتغريب.
( ١ )بقلم الناقد اليمني / نجيب صالح طه – (أمير البؤساء)
إن السيطرة الغربية على الرواية، والقصة العربية بكل أنواعها، تتجدد كل يوم، وبصور مختلفة، وبمباركة- مع الأسف- عربية منذ منتصف القرن الثامن عشر تقريبا، وحتى أوائل القرن العشرين ، أكان ذلك متعلقا بالنشأة، أو الخصائص، أو النوع، أو المنهجية النقدية المتعبة، والترافع وبرهنة غير ذلك على أسس تاريخية منذ العصر الجاهلي وحتى منتصف القرن الثامن عشر،وأوائل القرن التاسع عشر،
قد تجعل من ينتهج ذلك، متهما وربماليس لديه خلفية ثقافية معتبرة من وجهة نظر حداثية، لكني أقول في هذه الحلقة التمهيدية للبحث العلمي في ذلك الاستلاب الغربي للوعي العربي في أصالة القص بكل أنواعه ما يأتي :
1.#حين خرجت أوروبا غازية تستبقها طلائعها من المثقفين، والأدباء، والرحالة، والمفكرين، إلى العالم الآخر غير الأوروبي قاموا بدراسة المجتمعات،والثقافات، والآثار ،والتاريخ، واللغات…وكل حضارة غير أوروبية، فأفادت منها،ثم قامت بتطويرها، لكنها لم تكن أمة قاصة قط، مقارنة بالأمم الأخرى.
فالأستشراق ومن ثم الغزو الإستعماري المباشر،كان
الملهم الأكبر،والأقوى للمعارف ،والعلوم الغربية عامة والأدب بصورة خاصة،وصولا لمنهجية الاستعمار النقدي ( الكولونيالي )، الذي جعل من نفسه فيما بعد المرجعية العليا لكل الآداب، ومقياسها الأمثل، فأصبح كل إبداع روائ، أو قصصي يجب أن يقاس بالمثال، أو النوذج الغربي الأروبي…
وأترك للقارئ حرية التجول في كتابي المفكر العربي الفلسطيني الأمريكي الجنسية الكبير (#إدوارد سعيد )،
“#الاستشراق”، و “#الثقافة الإمبريالية”.
ففيهما ما يغني القارئ العربي،ويحرره من تلكم التبعية المطلقة للآداب الغربية المسيطرة على الفكر، والتصور العربي الفاسد، الذي نسي تماما أننا أمة أدب ولغة وقص، منذ من ماقبل نزول القرآن الكريم بأحسن القصص مسميا إحدى سوره باسمها….
وهناك كتاب أوروبيون كثر استلهموا كثيرا من القصص القرآنية، وصنعوا منها بعض روائعهم، كما سنبين في حلقة أخرى.
بعد قراءة الكاتبين أنا على ثقة،أنه يمكن للعقل العربي النقدي تحديدا أن يجيب بجدارة عن ” #فرنسا” – مثلا لا حصرا – حين قالت عن الأديب والناقد والروائي العربي الكبير” #نجيب محفوظ” -رحمه الله- وهو يتسلم جائزة نوبل في الأدب :
( إنه فلوبير الآداب العربية)، فهو ليس مبدعا أصيلا، وإنما مجرد مقلد للرواية الغربية!! هذه المركزية الأوروبية مازالت قائمة حتى ما بعد اللحظة، في كل فنون وأجناس الأدب العربي القصصي، وبانسياق واستلاب يصل حد الزهو أحيانا بإشادة غربية أيا كان مصدرها…!
وحتى لو أنصف منهم الأدب العربي ك ” #جوستاف لوبين” الذي قال عن جمهور القصة العربي: (… أن القص والقاص العربي، عميق، وله حيويتة وقوته التي تحدث تأثيرها في نفوس المتلقين بصورة قد لا يحدثها أدباء فرنسا وشعرائهم..)، مع ذلك لابد من عقدة ( الرجل الغربي )، وقياسات الإبداع العربي ب” “#لامرتين أو #شاتو أو #هجيل أو…..”!!
2- تاريخنا العربي وموروثنا الثقافي، في هذا الجانب كبير جدا، فألف ليلة وليلة، والتوابع والزوابع، ومحاكمة الجن للإنسان، ورسالة الغفران، وحي ابن يقظان، ومقامات الحريري والهمذاني، وكليلة ودمنة، وأدب الرحلات، والجهيشاري المخبر عن ابن النديم، والسير….
كل ذلك في نظر المثقف العربي المقلد والمحاكي للغرب، والمعتز بحضارته الأدبية الحديثة لا تشكل بالنسبة له -إن أنصف- سوى محاولات غير ناضجة وغير مكتملة،ولا يمكن عدها حتى لبنات التأسيس للقصة بكل أنواعه…!
فالقصة الحديثة عنده، هي التي تأثر بها المشرق بالغرب الأوروبي وحاكاها وترجمها….!
فهي عند معظم النقاد ،أجناس أدبية إلا أنها لم تكتمل ويجب ضبطها على إيقاعات النغم الأوروبي، وتقاس بكتالوجاته الأدبية الحديثة..!
وقد يقول لك أحدهم :
لو كانت القصة،والرواية عربية المولد ،والأصل، والنشأة،وأنها تطورت فيما بعد، لوضع لنا القدماء أسسها، وقواعدها على شاكلة وضعهم لقواعد وأسس النحو والصرف والبلاغة…!!
لذلك الغرب هو صانع القصة والرواية، ونحن مجرد ناسخون ومقلدون..!!
انسياق وتنصل وتبرؤ وتقليد لبعبع الغرب الأدبي الذي كان يغط في نوم عميق دون أن يسمع : كان يا ما كان،
أو يُحكى أن….!
- فيما هو لنا دون سائر الأمم وهي الحكمة والمثل، واللذان يعدان الصورة المثلى والأوضح للقصة العربية ( الومضة)، والتي تعد الابنةالشرعية للقصة القصيرة، وتعكس حياتهم الإجتماعية، والسياسية والفكري، وكل تجاربهم الحياتية في عبارات قصيرة مختزلة وموجزة، وبليغ، وبإيحاءات وتكثيفات يعجز عنها كل أدب العالم، تناسوها، ولم يعتدوا بها، حتى ظهر، وحيد عصره، وفريد زمانه،
“#آرنست همنغواي” أو صاحب الديناصور الغواتيمالي “#أوغستو” أو غيرهما، فنسبت الومضة إليه، وباستجابة عربية تكاد تكون عامة،#وبخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي وبحرها الأزرق المكتظ بالفوضى المعرفية – غالبا- في أسس ونشأة القصة عامة والقصة القصيرة جدا والقصة الومضة على وجه مخصوص، وأن : ومضة “آرنست”
(#للبيع : حذاء طفل لم يلبس قط)، هي المقياس والأساس للقصة الومضة في العصر الحديث بينما قد لاتساوي شيئا إذا ما قورنت ببعض الومضات العربية القديمة ( الأمثال والحكم )، ذات المنشأ القصصي أصلا ك :
- خلا لك الجو؛ فبيضي واصفري.
- اسمع جعجعة؛ ولا أرى طحنا.
- من حفر حفرة لأخيه؛ وقع فيها.
-إذا أعطى العبد كراعا؛ طلب ذارعا. - أبطأت في الجواب؛ فات الصواب.
وغيرها الكثير من الأمثال والحكم العربية الفصيحة أو الشعبية، ذات الخلود، والتناقل جيلا بعد جيل، وبالطبع احتمال : قول أحدهم أنت لا تفرق بين الحكمة والومضة وارد، وسنرد عليه لاحقا….!
عقدة الرجل الغربي، صارت دلالة ثقافية عصرية إن هو ذكر اسمين، أو ثلاثة من أسماء أعلام الغرب وفي كل الجوانب لا في الأدب فقط…
وعلى الرغم من أن “آرنست” لم يكتب قصة أصلا، ورغم الخلاف في صحة نسبة ذلك السطر إليه، إلا أنه ومنذ مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يتربع على عرش القصة الومضة، وربما القصيرة أيضا وإليه تنسب…!
في الحقلة القادمة سنبين- إن شاء الله، وبالشواهد، وجود قصص مختلفة الأنواع في ثراثنا الأدبي العربي ذات نضج فني عال حتى ما قبل باكورة أوائل النضج للرواية العربية.
التعليقات مغلقة.