القصّة القصيرة جدًّا نشأتها ومقوماتها
بقلم سيد جعيتم
تمهيد
تُعرّف القصة بوجه عام في معاجم اللغة بالحديث أو الخبر المسرود أو الجملة من الكلام، السّرد فنٌ رافق الإنسان منذ بداية وتختلف الطّريقة التي يُحكى بها السّرد من نص إلى آخر، حسب رؤية الكاتب واستعماله التّقنيّات السّرديّة و تبعًا لموضوع القصة ، وما يتخلّلها من حواراتٍ وأوصاف ووحدة الحدث، وهي أيضًا حكاية نثرية طويلة تُستَمدّ من الخيال أو الواقع أو كليهما، أما اصطلاحًا فقد عرفها كثير من النقاد بأنها: سرد نثري خيالي، مقبول عقليًا، يجسد تغييرات في علائق بشرية، تصور قطاعًا من الحياة، ويقتصر على حادثة أو بضع حوادث يتألف منها موضوع مستقل بشخوصه ومقوماته .
تظهر في كلّ مرحلةٍ تطوريّةٍ فكريّةٍ، أجناسٌ أدبيّة تجد لنفسها التّربة الملائمة للنُّموِّ ، وككل جديد يتعرض للتقليل من شأنه بالنقد والتقويض والتوجّس والتّغريب والتحجيم، وعليه أن يواجه ليفرض ذاته الأدبيّة، وعليه أن يخلق لنفسه شكلاً ومضمونًا وقواعد.
وبعدد النقاد بأصل القصة على أنها فن أدبي غربي انتقل إلينا في عصر النهضة الأدبيّة الحديثة، ضمن فنون أدبية أخرى كالمقالة والرواية والمسرحية،
و القصّة القصيرة جدًا جنس أدبي حديث على المشهد الثّقافيّ العربيّ، فانكبّ البعض على دراستها تحليلاً وتفكيكًا وتركيبًا، ومقارنتها بالأجناس الأدبيّة الأخرى خصوصًا القصّة القصيرة، وقد استطاعت أن تفرض نفسها، وأصبح لها روّادها وعشّاقها.
نشأة القصّة القصيرة جدًا
إجمع النّقّاد والدّارسين، على أنّ منشأ القصة القصيرة جدًا يعود إلى الغرب، من خلال قصّة كتبها الرّوائيّ” أرنست همنغواي سنة1925 م، وهي مؤلّفة من ستِّ كلمات: (للبيع… حذاء طفل لم يلبس قط).ويورد معظم الباحثين اسم” ناتالي ساروت” الكاتبة الفرنسية على أنّها أوّل من كتب القصّة القصيرة جدًا عام1932 م.
فنّ القصّة القصيرة جدًا
إنّ القصّة القصيرة جدًا، هي قصّة أولًا، وقصيرةٌ بعد ذلك، لها خصائصُها، التي تجعلها، تتفرّد عن أيّ نوع أدبيٍّ آخر، وهي قد تستفيد من الفنِّ والموسيقى، والرّواية، والقصّة، لكن لها أركانها وشروطها، أركانها النّابعة من بنيتها وكينونتها المستقلّة، وهي تأخذ ما ينفعها وتترك ما يضرّها، ملتزمة بالمقولة المأثورة “الكثير ما يقال في موجز المقال”؛ فينخدع الكثير بالحجم، فيكتبون من غير دراية أو معرفة بأولويّات هذا الفنِّ، فلا تثير في المتلقّي الدّهشة، ولا تُحدث فارقًا في نفسه، ولا تحمله على التّساؤلات ولا على التّأمُّل…
عناصر وأركان وخصائص القصّة القصيرة:
عناصر القصة مرتبطة ببعضها وبها يتم بناء القصة:
الفكرة :
جزء من الحدث وهي أيضًا جزء من الشخصية ومن نسيج اللغة ومن الزمان ، والفكرة هي شديدة الصلة ببقية عناصر القصة. والكاتب المبدع هو الذي يوصل القصة إلى القراء بطريقة غير مباشرة، فلا يلخصها بوصية أو طريقة وعظية، فالفكرة لا تعلن ولا تشهر، بل تصل إلى القارئ من خلال تتابع الأحداث وتفاعلها.
اللغة:
تُكتب في الغالب باللغة العربية الفصحى لتستوعب اللهجات العربية المتعددة ممّا يُسهم في انتشارها ويجب مراعاة سهولة الألفاظ ووضوحها وبعدها عن الزخرفة اللفظية والمحسنات البديعية، عدد الكلمات في القصة القصيرة لا يقل عن خمس مئة ولا يزيد عن عشرة آلاف مفردة، والحجم ليس الحاسم في حدّ ذاته.
الحدث:
تقوم القصة على سلسلة من الأحداث تجذب انتباه القارئ إليها، والحدث هو الصراع الدائر بين الشخصيات أو بين الشخصية الرئيسة ونزعة من نزعات النفس، أو فكرة أو قيمة أخلاقية اجتماعية، وهو السبب والدافع الأساسي لقيام القصة وحدوثها، ويتكون من: “البداية” وغالبًا ما يكون استقرار ظاهر، ثم “الوسط” وفيه يشتد الصراع ‘إ لى أن يبلغ الذروة، وأخيرًا “النهاية” وتتجمع فيها عدة عوامل وقوى تتطور وتتشابك إلى أن تتضاءل.
الشخصيات :
أنماط الشخصيّات من أهم العناصر ، ولأنّ من خصائص القصة التركيز فإنّ الشخصيات فيها قليلة، وغالبًا ما تشتمل على شخصية رئيسة واحدة هي البطل، وعادة ما تدفع الأحداث البطل إلى صراع مع شخصية أخرى تسمى الشخصية المضادة أو البطل المضاد، وأنواع الشخصية في القصة:
الجامدة: وهي الشخصية التي لا يطرأ تغيير على بنيتها النفسية أو الاخلاقية إذ يبقى الشرير شريرًا والخيِّر خيرًا.
النامية: هي شخصية تتنامى وتتفاعل مع الأحداث وتتطور بتطورها، وهي إذ تتفاعل مع هذه الأحداث .
الزمان:
كل حدث لا بدّ أن يقع في زمان محدد، والتزام الكاتب بهذا العنصر ضرورة مُلحّة لتأخذ القصة شكلها الطبيعي، ولا يظهر الاختلال في أحداثها أو شخصياتها، والكاتب المبدع يوحي لنا بأنّ الزمن الذي يتخيله هو زمنٌ واقعي بالرجوع إلى الوراء عن طريق التذكر أو التداعي، فنشعر أنَّ هذا الزمن هو الزمن الماضي، وأنَّ الحديث عن مجريات القصة هو الزمن الحاضر.
المكان :
المكان قد يعد مشاركًا في الفعل القصصي في بعض القصص حين يشكل قوة مضادة كما هو الحال في القصة التي يقوم الحدث فيها على الصراع بين البطل والبحر مثلًا، فهو إذًا يعمل على إضفاء جوّ طبيعيّ يحيا فيه القارئ، شرط أن يلتزم الكاتب بكل الظروف البيئية والعادات والتقاليد.
الحبكة :
هي نقطة الذروة التي تتأزم فيها الأحداث وتتعقد وهي العنصر الأساسي الذي يستند إليه عنصر التشويق، فكلما تأزمت الأحداث وتعقدت زادت نسبة التشويق لدى القارئ، وتبعًا لذلك فإن أنواع الحبكة في القصة القصيرة هي:
الحبكة المتوازنة: وهي الحبكة الاعتيادية التي يبدأ الكاتب فيها بعرض الأحداث حتى تبلغ ذروتها فتتأزم ثم تأخذ بالتفكك تدريجيًا حتى تبلغ نهاية القصة.
الحبكة النازلة: وهي الحبكة التي يعمد الكاتب من خلالها للإطاحة بالبطل في سلسلة من الإخفاقات حتى نهاية القصة.
الحبكة الصاعدة: وهي الحبكة التي يصل فيها البطل من نجاح إلى آخر حتى نهاية القصة. الحبكة الناجحة في النهاية: وهي الحبكة التي يواجه البطل من خلالها إخفاقات ومصاعب عديدة ولكنه ينتصر عليها في النهاية.
الحبكة المقلوبة: وهي الحبكة التي يواصل فيها البطل تحقيق انتصارات مزيفة حتى إذا بلغ ذروتها هوى إلى الحضيض.
تختلف الحبكة من حيث نوعها ووقتها وطريقة سردها أعتمادأ على طبيعة القصة وأحداثها المدرجة والطريقة التي تعرض فيها وهي من حيث زمنية سردها على النحو الآتي:
الزمن التاريخي: وفيه تنتظم الحبكة تبعًا للعرض التسلسلي الاعتيادي لها.
الزمن النفسي: وهنا ينتظم زمن عرض الحبكة تبعًا للإحساس به وهو مرتبط بما يسمى بالمونولوج الداخلي. الارتجاع الفني: وفيه تبتدئ القصة من نهاية الحبكة والأزمة ثم تعود تنازليًا حتى البداية.
التنبؤ القصصي: وفيها ترتب الأحداث بطريقة تهيّئ القارئ للأحداث التالية.
الحل :هي النهاية التي يعلن فيها الكاتب عن تحلحل عقد القصة وتفكّك حبكها مؤذنًا بمشارفة القصة على نهايتها، وقد يحذف هذا العنصر فيترك الكاتب نهاية القصة مفتوحة ليسمح للقارئ بالمشاركة في توقع نهاية للقصة وإيجاد حل لحبكتها.
وليس الحل هو عملية ختم لأحداث القصة فحسب بل إن فيه التنوير النهائي للعمل القصصي الواحد المتماسك، ومن خلاله يقع الكشف النهائي عن أدوار الشخصيات وينبغي على الكاتب أن يتجنب النهايات المفاجئة، أو النهايات غير المقنعة، التي تشبه جسماً غريباً أضيف إلى العمل القصصي لأن الواقعية تعد من أهم الخصائص الأساسية في العمل الفني.
ويجب مراعان الاتي في القصة القصيرة:
الجرأة – وحدة الفكر والموضوع – التكثيف والإيجاز.– الرمز- الالمفارقة – فعليّة الجملة. والبلاغة- الجانب البصريِّ أو الطبوغرافيّ- الموضوعية- أنسجام الخط الدرامي – التناص- الحوار الداخلي ( المونولوج) الحوار الخارجي الديالوج
أهم رواد القصة القصيرة من العرب:
زكريا تامر – محمود سيف الدين الإيراني – عيسى الناعوري – حسني فريز- محمد تيمور – يوسف إدريس – غسان كنفاني – جبران خليل جبران – ميخائيل نعيمة – إحمد بوزفور .
أهم رواد القصة القصيرة من الغرب :
إدغار ألن بو – جي دي موباسان – أنطوان تشيخوف – دستويفسكي – جابرييل جارثيا ماركيز- زولا وتورغينيف – هاردي وستيفنسون
بقلم
سيد جعيتم
جمهورية مصر العربية
التعليقات مغلقة.